إن شرع الله سبحانه ما جاء للعنت والمشقة على العباد بل من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية هو رفع الحرج والتيسير على العباد قال سبحانه: “هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”.
ومن القواعد الفقهية التي يبنى عليها كثير من الأحكام “المشقة تجلب التيسير” ولكن يحاول البعض التمرد على أوامر الله سبحانه لكي يطلقوا لأنفسهم الضعيفة العنان لصنوف الفاحشة والرذيلة ويبررون لأنفسهم خروجهم على شرع الله عز وجل بجمود الشريعة، وعدم مرونتها لمواجهة تطورات العصر “كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً” فالله سبحانه هو خالق الزمان والمكان والإنسان وهو أعلم سبحانه بما يصلحه في كل زمان وفي كل مكان، فالله سبحانه يريد لنا العفة والفضيلة والشيطان وجنده يريدون الفاحشة والرذيلة، الله يريد لنا الطهر والعفاف وهم يريدون الانحراف والفساد.
القول بجواز الإختلاط:
ما كانت شريعة الله تقف أمام رغبة من الرغبات، ولكن ينبغي أن تضبط بضوابط الشرع حتى لا نكون كالبهائم تحكمنا الغريزة دون أن يكون هناك ضابط من شرع أو تحكيم لعقل، فإذا كان الطهر والعفاف تخلفا وجمودا فمرحبا بالتخلف والجمود، ولتذهب المدنية إلى الجحيم.
حكم الإختلاط في الإسلام:
يقول فضيلة الدكتور محمد البهي –رحمه الله- عميد كلية أصول الدين سابقا:
الرحلات المشتركة ـ وهى الرحلات التي يَختَلِط فيها الذكور بالإناث ـ إن كان المشترِكون فيها من النوعين في سِنِّ الطفولة، أي إلى ما قبل سِنِّ المراهقة.. فلا بأس منها. بل قد تكون مثمِرة إذا ساعدت على تبادل الاحترام بين الجنسين.
أمّا التي يختلط فيها الذكور بالإناث في سِنِّ المُراهقة والشباب.. فهي رحلات لا تساعد على نموِّ التفاهم بين الجنسين ـ كما يقولون ـ إلا في دائرة الرِّباط الجنسيّ، وتكوين العلاقات التي قد تجُرُّ إلى خَيْبة الآمال وفواجِع الآباء والأمهات في أولادهم ذكورًا وإناثًا، وإصابة مستقبل هؤلاء الأولاد بشلل أو بعُقْم، وقد لا يُداوَى إلى آخر حياتهم.
ونصيحة القرآن الكريم إلى نساء الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهى نصيحة موجَّهة إلى كل مؤمِنة بدين الله ـ تُوَضِّح: تجنُّب الاختلاط، كوِقاية من الآثار الضارّة التي قد تترتَّب عليه، فيقول ـ الله تعالى ـ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ )- أي لكُنَّ القيادة في مجتمع المؤمنات. ولذا يجب أنْ تَكُنَّ القُدوةَ لِغيرِكُنَّ في السلوك والتطبيق ـ ( إِنِ اتَّقَيْتُنَّ )ـ أي إن تَجنَّبْتُنَّ الاختلاط وتمسَّكتنَّ بدين الله في ذلك كان خيرًا لكُنَّ ـ( فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ ) إذ عندئذٍ يُعَدُّ تجنُّب الاختلاط منكُنَّ وقاية لكن من التأثُّر بالقول المعسول والثَّناء الكاذب من كل مريضٍ في نفسه، ممَّن يدفعه الاختلاط بالنِّساء إلى مُفاتَحتِهِنَّ بلغو الغزل، أو بتوجيه الإهانة إنْ أعرضْنَ عَنه( وقُلْنَ ) أي في تجنُّب التحادُث مع الأجنبي عنكنَّ( قَوْلاً مَعْروفًا) أي: قولاً مهذَّبًا يَليق بكرامة المرأة ورِقَّتِها. (الأحزاب: 32).. فتجنُّب الاختلاط ـ إذن ـ هو وقاية من آثاره الضّارَّة. وكما يُقال: الوقاية خير من العلاج.
ولكي يؤكّد القرآن: أن الوقاية من آثار الاختلاط الضارّة خير من العلاج يقول بعد ذلك: (وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ “أي أَقمنَ في بُيوتكن كسبيل للوقاية من آثار الاختلاط وتجنب الحديث المريض إذا لم تكن لكنّ حاجة مُلِحّة إلى الخروج منها ( ولاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليّةِ الأُولَى) (الأحزاب: 33) أي: ولا تقصدنَ من الخروج من المنازل إلى إظهار مفاتنكُنَّ وإغراء الرجال ودفع مَرضى النفوس منهم إلى الحديث معكُنَّ أو الإساءة إليكُنَّ”..وما يُقال عن الحِجَاب في الإسلام هو إذن الوِقاية من آثار الاختلاط الضارَّة. ولكن ليس هو عدم الخروج من المنازل على الإطلاق. والخروج من المنازل أمر مشروع إذا كان لقضاء حاجة أو أداء وظيفة في المجتمع. وهو مُحَرَّم إذا كان خالِصًا للإغراء بالكشف عن مفاتن البدن، ولقصد اجتذاب الرجال ومُغازَلَتِهم. وهذا ما كان في الجاهليَّة، والجاهلية هي الوقت الذي تَسُود فيه الحياة المادِّية بكل معالِم الانحلال والإلحاد، وتَشِحُّ فيه المعاني الإنسانية الكريمة، في أيِّ قرن وزمن.