الإنسان مخير ومسير في آن واحد فهو مسير فيما أراده الله به من الأمور التي لا يستطيع الفكاك عنها ولا التخلص منها، ومخير فيما افترضه الله عليه لأن الله سيحاسبه عليه ،وعلى المسلم أن يشغل نفسه بما أراده الله منه لا بما اراده الله له.

يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم من علماء الأزهر:
الإنسان في دنياه التي يحياها مسير ومخير، ذلك أن هناك أمور أرادها الله به وأمورًا أرادها الله منه.

-فالأمور التي أرادها الله به لافكاك له منها، فهو مسير فيها رغم أنفه، وذلك مثل الخلقة التي خلق عليها، من طول وقصر، ومن بياض بشرة أو سمرتها، ومن إبصار للأشياء، أو عدم إبصار لها بالمرة، ومن مكان لابد أن يحل به، ومن مركب لابد أن يركبه، ومن كونه عقيمًا لا يلد، أو منجبًا ما شاء الله له من ولد، إلى غير ذلك من الأقدار المقدورة في عالم الأزل، فالعبد لا يملك إزاءها اختيارًا حتى يغيرها، أو يحولها إلى مسار غير مسارها، فإنها من صنع الفعال لما يريد.

-والأمور التي أرادها الله من ابن آدم أن يعملها مثل الطاعات والصلاح والخير والبر، وسلوك سبيل الهداية، أو أن يجتنبها مثل الشر والفسوق والعصيان وتنكب الطريق السوي، والمنهج المرضى، هذه الأمور أعطى الله ابن آدم ومنحه قدرًا من الاختيار في فعلها أو تركها، وذلك ليجزيه بفضله على الحسنات أضعافًا وبالسيئة مثلها عدلا منه جل جلاله، يقول عز من قائل (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تكن حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا) (الآية 40 من سورة النساء) ويقول سبحانه (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) (الآية 160 من سورة الأنعام).

 هل الإنسان مخير أم مسير في حياته:

 يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -: أهل السنة والجماعة على أن العبد مخير ومسير لا يخرج عن قدر الله، والله أعطاه سبحانه العقل يتصرف، يأكل ويشرب، ويعمل ويأمر وينهى، يسافر ويقيم له أعمال.

-كما قال تعالى: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ *وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[التكوير:28-29] جعل لهم مشيئة.

-قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ)[المدثر:55].

-وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[البقرة):110]. 

-وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) [النور:30].

فالعباد لهم أفعال: يأمرون وينهون، يسافرون ويقيمون، يصلون، ينامون، يعادون ويحبون، لهم أعمال، لكنهم لا يخرجون عن قدر الله، الله قدر الأشياء ، قدرها في سابق علمه، لا يخرجون عن قدر الله، لكن ليسوا مجبورين، بل هم مختارون لهم اختيار، ولهم عمل، ولهذا خاطبهم الله وأمرهم ونهاهم، وأخبر عن أعمالهم أنه خبير بأعمالهم قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الحجر:92-93]، وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النور:30] اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم لأهل بدر إلى غير ذلك.

فالواجب على المؤمن أن يعرف هذا، فأهل السنة والجماعة يقولون: العبد مختار، له فعل وله اختيار، وله إرادة وله عمل، لكنه لا يخرج عن قدر الله.

-ثبت في الحديث الصحيح يقول النبي : إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض، بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء وكذا قدر أعمال العبد في بطن أمه بعد مضي الشهر الرابع يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد.

ما يخرج عن قدر الله، لكن له أعمال، وله تصرفات لا يخرج بها عن قدر الله، فهو يسافر، يصلي، يصوم، يزني، يسرق، يعق، يقطع الرحم، يطيع، يسافر، يصل فلانًا، يقطع فلانًا، يرحم فلانًا، ويؤذي فلانًا، يحسن إلى فلان، ويسيء إلى فلان، له أعمال طيبة وخبيثة، فهو مأجور على الطيبة، ومأزور على الخبيثة.

والله يجازيه على أعماله الطيبة والخبيثة، على الطيبة بالجزاء الحسن، وعلى أعماله الرديئة بما يستحق، وقد يعفو إذا كان موحدًا، فهو سبحانه العفو، وهو -جل وعلا- العفو العظيم -جل وعلا-، يقول فيه النبي : اللهم إنك عفو، تحب العفو، فاعف عني لما سئل «قيل: يا رسول الله، إذا كانت منازلنا في الجنة معلومة…» لما قال لهم: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة، ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله، إذا كان هذا قد سبق في علم الله، ففيم العمل؟ كيف نعمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[الليل:5-10]»، ويقول -جل وعلا-: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)[يونس:22].

كيف يكون الإنسان مسير:

العبد مسير بقدر الله، لكن له اختيار، وله مشيئة، وله عمل، يجازى على عمله الطيب، ويستحق العقاب على عمله الرديء إلا أن يعفو الله كما أخبر سبحانه في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:48] قد يغفر عن بعض المعاصي لمن يشاء إذا مات على التوحيد، وهكذا في الدنيا قد يعفو ويصفح عن بعض عباده فضلًا منه وإحسانًا، وقد يعاقب على السيئات في الدنيا قبل الآخرة.