يقول الله سبحانه وتعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (النور : 19 ).
ما معنى هذه الآية ؟؟؟ معناها أن يكف الناس عن التحدث بما رأوه كالشمس من الفاحشة بين المؤمنين حتى لا يستهين الناس بها ، ويألفوها، ويقل خطرها على قلوبهم….. هذا عن الفاحشة التي يرونها عيانا، فكيف بما لم تر العين ولم تسمع الأذن؟؟؟
كيف يجرؤ إنسان على رمي الأمة كلها بالزنا……
كيف وفي الأمة علماؤها وصالحوها، ومصلحوها، كيف وقد امتدت هذه الدعوة الإسلامية في كل بيت ، وعلى كل حدب وصوب، فهذه الخُمر المنتشرة ، بله النُقب، وهذه الملابس المحتشمة، وهذه المساجد المكتظة، وهذه البنوك الإسلامية العامرة ،….. فمن وراء ذلك ؟؟ أهم الزناة والزانيات ” سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ”
كيف ، وقد قال رسول الله ﷺ : ” لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون
كيف وقد قال رسول الله ﷺ: “من قال هلك الناس فهو أهلكهم ” وذلك ؛ لأن كل إناء بما فيه ينضح، فصاحب النفس الخبيثة يتخيل أن كل النفوس خبيثة ، وإذا طفقت تحدثه أن بين الناس من هو صالح السريرة، مستقيم الطوية ستجده يرد ذلك، وينكره ؛ لأنه لا يتصور إلا أنفسا مثل نفسه ، فما عرف الصلاح ولا عاشه، فكيف يتصور وجوده.
لقد قرر الإسلام ثمانين جلدة للمفتري، يفتري على شخص واحد بالزنا ما لم يأت بأربعة يشهدون أنهم رأوا ما رأى، فكم عساه يكون حد من يفتري على الأمة كلها أن نصفها زناة ، والنصف الآخر مزني به!!!
أعظم بها من فرية، ,أعظم بها من ذنب، وقد قال رسول الله ﷺ” إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله . لا يرى بها بأسا . فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا ، أي سبعين سنة “.
وعلى المسلم ألا يجالس أصحاب السوء فإنهم لا يعلمونه إلى الشر ولا يذكرونه إلا بالفواحش بل وقد يصل معهم إلى الفحشاء بسبب ما يقولونه أو ما يفعلونه.
وإن من شؤم هذه الجلسة أن تتمنى المرأة العفيفة أنها لو كانت بذيئة متبذلة حتى تتقن الدرس فتكون هي ومن سقطت في هذا المستنقع الآسن على حد سواء.
وإن من شؤم هذه الجلسة أن يتمنى الرجل العفيف أنه لو كان بذيء مبتذلا حتى يتقن هذا الدرس فيكون هو ومن سقط في هذا المستنقع الآسن على حد سواء.
وصدق رسول الله ﷺ إذ يقول : ” إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرها سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقى في ربه ولا يصل في رحمه ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء”.
إن إفشاء المرأة اللقاء الذي يأتيه فيها زوجها من الأمور التي حرمها الإسلام، وسمى صاحبته شيطانه؛ ففي الحديث الذي رواه أحمد أن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله ﷺ والرجال والنساء قعود عنده فقال :”لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرم القوم، فقلت : أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون ! قال : فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقى شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون ) .
ولعل ما تركه هذا اللقاء الآثم مما يكشف لنا سر تحريم هذا الإفشاء، فصدق رسول الله ﷺ .
وقد جاء في تفسير التحرير والتنوير في تفسير قوله تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (النور : 19 ):-
لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين.
ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين . ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو الكذب مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويدا رويدا حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة .
هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضرا متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب
ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون) أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر أ.هـ.