الإهانة في الآية هي التي تكون بسبب تمرد الإنسان على ربه وخروجه عن منهجه، وتكبره على عبادته، وإذا أهان الله إنسانا ـ بسبب ذنبه ـ فلا كرامة له مهما نال من الدنيا.

يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
إن قول الحق تبارك وتعالى: (ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) جاء ختامًا للآية الكريمة في سورة الحج، وفيها يقول تبارك وتعالى: (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب).

وفي ذلك إشارة إلى أن جميع ما في السماوات والأرض من المخلوقات متجه بفطرته إلى خالقه يخضع لناموسه، ويسجد لوجهه، ولا يحيد عن عبادته وشكره، فالكون كله مسبح لله (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم)، (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم)، (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).

وإذا ما تدبر الإنسان هذه الآية فإنه يدرك هذا الحشد الهائل من الأفلاك والأجرام ومن الجبال والشجر والدواب، وأن هذه الحشود كلها ما يعلمه الإنسان، وما لا يعلمه مما لا يحيط بعلمه إلا الله، هذه الحشود كلها تأتي في موكب خاشع تسبح فيه وتسجد كلها لله، وتتجه إليه وحده دون سواه إلا ذلك الإنسان، فهو وحده الذي يفترق إلى صنفين، فمنه المهتدي، ومنه الضال، فريق في الجنة وفريق في السعير، فمن أدرك رشده، وعرف ربه، وطلب منه الهداية تحققت إرادة الله بهدايته.

ومن شذ وأعرض ونأى بجانبه ختم الله على قلبه، وحق عليه العذاب، ومن حق عليه العذاب فقد حق عليه الهوان، ( ومن يهن الله فما له من مكرم) أي : من خالف شرع الله تعالى وكفر به وعصاه وأبي الخضوع له فإنه مهان من الله تعالى بسبب تمرده، وإذا أهانه الله فلا إكرام له مهما نال من حظوظ الدنيا، فإنه لا كرامة إلا بإكرام الله، ولا عزة إلا بعزة الله، والعز والكرامة في طاعة الله والخضوع له ، لا في مخالفته والتمرد عليه.

ومع هذا فلا يقع في ملكه تعالى إلا ما يريد، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يَصَّعَّد في السماء، ومرد ذلك كله إلى نزعاتهم وميولهم، وقد ذل وهان من دان لغير الله، والتمس المعونة عند غيره، فالأمر كله لله، وهو القوي القادر على ما يشاء سبحانه وتعالى، له الخلق والأمر، وهو على كل شيء قدير.