نزل القرآن ليحكم الناس ، ويضيء حياتهم ، لا ليعلق في النحور ، وتزين به الصدور ، وإن أحدا لن ينفعه القرآن إلا إذا عمل به ، فتعليق القرآن على الجدران والصدور لا يفيد أصحابها شيئا إلا إذا التزموا ما فيه ، ولذلك ورد في الحديث أن قوما يقرؤون القرآن وهو يلعنهم ، لأنهم لا يعملون بما فيه ، على أنه لا مانع من اتخاذ القرآن بالقرب من الإنسان لتسهل له مراجعته ، وحفظه ، وعليه فتعليق القرآن في الصدور مكروه شرعا لأنه يفرغ القرآن من مضمونه ، ويعرضه للامتهان ، والدخول به في المراحيض وغيرها ، ويكون مدعاة لاتخاذ أحجبة أخرى فيها غير القرآن .

قال فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي ـ رحمه الله ـ أحد علماء الأزهر:
أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ كتابه المجيد ليكون نورًا مبينًا يهدي الناس سواء السبيل. يقول الحق ـ جل جلاله ـ في سورة الإسراء: (إنَّ هذا القرآنَ يهدي للتي هيَ أقومُ ويُبَشِّرُ المؤمنين الذينَ يعملونَ الصالحاتِ أنَّ لهمْ أجرًا كبيرًا). (الإسراء: 9). ويقول في فاتحة سورة الكهف: (الحمدُ للهِ الذي أنزلَ على عبدهِ الكتابَ ولم يجعلْ له عِوَجًا. قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بأْسًا شديدًا مِنْ لَدُنْهُ، ويُبَشِّرَ المُؤمنين الذينَ يَعملونَ الصالحاتِ أنَّ لهمْ أجْرًا حَسَنًا. مَاكِثِينَ فيهِ أبَدًا). (الكهف: 1 ـ 3).
ولم يكن الغرض من إنزال القرآن الكريم أن يقتصر الناس في أمره على اتخاذه أحجبة وتمائم، دون عملٍ بما فيه، ودون التزام لأوامره، أو انتهاء عن نواهيه.

وليست رسالة القرآن الأساسية أن يقتصر الناس على اتخاذه لوحات تُعلَّق في المنازل والمكاتب، أو تمائم تعلق في الرقاب وعلى الصدور، أو تعويذة توضع من تحت الوسادة لطرد الشيطان، أو تحقيق الاطمئنان، أو توضع في السيارة لحفظها وصيانتها من الحوادث.
ولكن رسالة القرآن الأساسية هي أن يكون عقيدة وشريعة، وأن يكون قائدًا للحياة ورائدًا للأحياء، وأن يكون دستورًا يهتدي به كل مؤمن في مجالات الحياة ليستقيم على الصراط القويم، وهذا هو بعض ما نفهمه من قول الله ـ سبحانه ـ في سورة الإسراء: (ونُنَزِّلُ مِنَ القرآنِ ما هُوَ شِفَاءٌ ورَحْمَةٌ للمُؤْمِنِينَ). (الآية: 82).

وهذا لا يتعارض مع ما ورد في كتب السنة الصحيحة من مشروعية “الرُّقْيَةِ” بتلاوة القرآن وقد فسر ذلك بعض العلماء بأنه لون من ألوان الدعاء الذي يستجيبه الله بفضله حينما يتوافر فيه إخلاص التوجه إلى الله عز وجل.

على أنه لا مانع من أن يحمل الإنسان المصحف أو جزءًا منه، أو يُعلق شيئًا من القرآن الكريم أمامه، أو يضعه على المكتب أو في السيارة، إذا كان المراد من ذلك هو أن يتذكر المسلم آيات القرآن أو يتلو فيها، أو يستحضر معانيها بمقتضاها، فيكون ذلك بابًا لرِضَى الله ورضوانه.
ومما ينبغي ذكره في هذا المجال أن القرآن الكريم تلزم صيانته وحفظه عن مواطن الإهانة والتحقير والنجاسة، فلا يجوز تعريضه لمَا لا يليق بحرمته ومكانته.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في حكم اتخاذ آيات من القرآن والأذكار وتعليقها كالأحجبة :-

أُرَجِّح ما رآه أصحاب ابن مسعود من كراهية التمائم كلها.

وهذا الترجيح مَرَدُّه إلى جملة أمور:

أولها:عموم النهي عن التمائم، حيث لم تُفَرِّق النصوص بين بعضها وبعض، ولم يُوجَد مُخَصِّص.

وثانيها:سدُّ الذريعة، حتى لا يُفْضي إلى تعليق ما ليس كذلك.

وثالثها:أنه إذا عَلَّق ذلك، فإنه لا بد أن يَمْتَهِنَه، بحَمْله في حال قضاء الحاجة، والجنابة ونحوها.(انظر: فتح المجيد ص 127، 128).

ورابعها: أن القرآن إنما أُنْزِل؛ ليكون هداية ومِنهاجًا للحياة، لا لِيُتَّخَذ تمائم وحُجُبًا، وما إلى ذلك.