إذا كان الأب قد تخلى عن مسئوليته تجاه أولاده فلا يتخل الأخ عن مسئوليته تجاه إخوته ، وإذا كان إخوته قد ضلوا الطريق المستقيم فاحمد الله أيها المسلم أنك لا زلت ترى معالمه بوضوح، ومما يمليه عليك هذا الطريق من واجبات أن تخفف عن أمك وطأة ما ترى ، وأن تنصح لإخوتك وتحطوهم بصحبة صالحة تردهم إلى الحق وتأخذ بناصيتهم إليه، فالإنسان يميل لإلى الاكتساب أكثر مما يميل إلى التعلم المباشر، وقد تسللت صفات السوء إلى إخوتك من معايشة أهل السوء فلا غرو أنهم بحاجة الآن إلى معايشة أهل الصلاح، حتى تنتقل إليهم صفات الخير وتحبب إلى نفوسهم.

ولا شك أن ما ستقوم به أيها الأخ المسلم ليس سهلا ، وليس طريقا ممهدا ، فأنت أمام أنفس ستلقى منها عنادا وانصرافا وصدودا ، فاصبر وتصبر ، ويخفف عليك الألم قوله صلى الله عليه وسلم : ” لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها” ويدفعك إليه قول الله تعالى : ” ا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم/6]

ومعك من القرآن هاد ، ذلك قوله تعالى : ” وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104 [آل عمران/104]

ولتعلم أن نشأتك في هذا البيت لم يأت هكذا صدفة ، ولكنه قدر الله ، قدره عليك ليبتليك ويرى ماذا أنت صانع .

يقول الشيخ حسن البنا – رحمه الله-:

إن الرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها وإن تاريخ الأمم جميعاً إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة . وإني اعتقد ـ والتاريخ يؤيدني ـ أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته ، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء ..

وإن الأمم تجتاز أدوارا من الحياة كتلك الأدوار التي يجتازها الأفراد علي السواء : فقد ينشأ هذا الفرد بين أبوين مترفين آمنين ناعمين فلا يجد من مشاغل الحياة ما يشغل باله ويؤلم نفسه ولا يطالب بما يرهقه أو يضنيه ، وقد ينشأ الفرد الآخر في ظروف عصيبة وبين أبوين فقيرين ضعيفين فلا يطلع عليه فجر الحياة حتى تتكدس علي رأسه المطالب وتتقاضاه الواجبات من كل جانب وسبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامسة .