حكم التدخين :

الراجح من أقوال العلماء حرمة التدخين للضرر الذي ينشأ منه، وإذا كان شرب التدخين محرما في ذاته فإنَّ التدخين في الأماكن العامة أشد حرمة منه في الأماكن الخاصة، وذلك للمجاهرة بالمعصية، وتشجيعه غيره من الناس أن يسلك مسلكه ويسير على دربه، وللضرر الذي يلحق بغير المدخنين من جراء هذا المدخن.

وواجب المجتمع أن يعمل على تغيير المنكر ـ كل على حسب استطاعته ومسئوليته ومدى سلطانه على المدخن ـ باليد واللسان أو القلب وذلك أضعف الإيمان .

نقل  ابن حجر عن ابن بطال:

في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، ومنه ضرب من العناد لهم، وفي الستر السلامة من الاستخفاف. انتهى.

كما أنَّ التدخين في حضرة الناس فيه إدخال ضرر على الناس، وقد أتت الشريعة بإزالة الضرر، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى عليه وسلم قال:” لا ضرر ولا ضرار” فالمدخن في هذه الحالة يجمع بين ظلمه لنفسه ظلمه لغيره، ومن ظلم غيره فإن عليه أن يتحلل منه قبل ألا يكون درهم ولا دينار، ففي صحيح البخاري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه.” رواه البخاري

واجبنا نحو المدخن :

وواجبنا تجاه المدخن لا يبدأ عندما يشعل المدخن سيجارته بل واجبنا الذي يفرضه علينا ديننا الحنيف يبدأ قبل ذلك بكثير.
فبداية على المجتمع أن ينهض كله لمحاربة هذا السموم التي تفسد البدن والدين، وقد سدت الشريعة منافذ التدخين فحرمت زرع الدخان، كما حرمت تصنيعه، والمتاجرة فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:  “إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه” رواه أحمد وابن حبان، وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط..

وبعد ذلك يحرم الترويج له وعلينا أن نمنع الإعلانات التي تشجع على التدخين وتدعو إليه لأن ذلك من الإثم الذي نهانا الله عنه يقول تعالى:” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” المائدة:2

أمَّا تصرف المجتمع مع المدخن فإنَّ من الواجب على المسلم أن ينصح أخاه المسلم، فالدين النصيحة ، ففي صحيح مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه: ” الدين النصيحة”  ومن برِّ المسلم بأخيه المسلم أن يمنعه عما يؤذيه قال صلى الله عليه وسلم من البر به أن تمتنع من ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقالوا: يا رسول الله، هذا المظلوم، فكيف نصر الظالم؟ قال: “أن تمنعه من الظلم. رواه البخاري ومسلم. فمنع أخيك من ظلم نفسه هو من نصرته المفروضة علي المسلم تجاه أخيه.

كما ينبغي نصحه وتحذيره من عاقبة شربه الدخان، مع الدعاء له بالهداية والصلاح.

هذا إذا لم يكن المدخن في حال التدخين، أمَّا إذا كان مدخنا، فإن الواجب حينئذ هو تغيير هذا المنكر، لقوله صلى الله عليه وسلم:” من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.

وتبدأ درجات تغيير هذا المنكر على حسب درجات الاستطاعة، فالتغيير باليد مكفول لمن يقدر عليه ولا يشترط في التغيير باليد التعدي والهجوم على الآخر، بل يكفي أن يكون الآمر للمدخن بالإقلاع في موقع السلطة للمدخن كوالد مع ولده، ومدير مع مرؤوسيه، وقائد بين جنده، فأمثال هؤلاء يستطيعون أن يصدروا أوامرهم التي تمنع من التدخين.

ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة اللسان، ونعني به وعظ ذلك المدخن وتبيين الأضرار التي يسببها لنفسه ولغيره، وأنه بهذا ظالم لغيره، والظلم ظلمات يوم القيامة، وأن نوقفه على الحكم الشرعي للتدخين، وأن ننصح لهم بالحسنى، فإذا لم تنفع اليد ولا اللسان فعلينا أن ننكر عليه بالقلب، والتغيير بالقلب يتأتى بأن يشعر المؤمن في قلبه، بكراهة هذا المنكر وبغضه له ، وأن يتمنى أن لو كان قادرا على تغييره، وأن يناله حزن وهم لعدم قدرته على تغيير هذا المنكر، ويتأتى هذا في عدم إظهار  أي موافقة للمدخنين على فعلهم، وإظهار الانزعاج والضرر والضيق من تدخينهم.

ومن كان في وسعه مفارقة المكان الذي يدخن ، فعليه مفارقته ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط.