للتحدث عن واجبات المرأة وحقوقها، في ميزان الشريعة الإسلامية، بقطع النظر عن واقع المجتمعات الإسلامية التي تختلف في مدى التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية نقول :ـ
أولاً:يخاطب الله كلاً من الرجل والمرأة في القرآن، على مستوى واحد من الخطاب التكريمي وعلى مستوى واحد من التنويه بالقيمة الإنسانية التي يشتركان فيها. فهو يقول مثلاً:
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً}[النحل:16/97]
ويقول تبارك وتعالى: {إنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض} [آل عمران: 3/195]،
ويقول تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصّائِمِينَ وَالصّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[الأحزاب:33/35].
ثانياً:يقرر القرآن مايسمى في الشريعة الإسلامية بالولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة، فيجعل من الرجل مسؤولاً عن رعاية المرأة، ويجعل من المرأة مسؤولة عن رعاية الرجل. إذ يقول:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة:9/71].
ثالثاً: يقرر الإسلام طائفة من الواجبات يفرضها على كل من الرجل والمرأة، كما يقرر طائفة من الحقوق يمتّع بها كلاً منهما. فما هو مصدر الواجبات التي تلاحقهما؟ وماهو مصدر الحقوق التي تُعطى لهما؟
مصدر الواجبات في كل من الرجل والمرأة عبوديتهما أي مملوكيتهما التامة لله عز وجل.
وبما أن صفة العبودية في كل منهما واحدة لاتتفاوت، فقد كانت الواجبات التي خاطبهما الله تعالى بها واحدة أيضاً. وإذا استعرضنا سلسلة التكاليف التي ألزم الله بها عباده، لاحظنا مصداق ماأقول. وإذا كانت هناك حالات استثنائية تتجلى فيها واجبات لايتساوى فيها الرجل والمرأة، فلا مدخل لصفة الذكورة والأنوثة فيها، وإنما ذلك لعوارض أخرى، كالتي قد تحدث فيما بين الرجال أنفسهم فتؤدي إلى اختلاف الواجبات فيما بينهم.
أما مصدر الحقوق لكل من الرجل والمرأة، فهو معنى الإنسانية الماثل في كل منهما، وبما أن معنى الإنسانية هذه في كل منهما واحد لايتفاوت، فلا يعلو في ذلك رجل على امرأة ولا العكس، فقد كانت الحقوق التي متع الله كلاً منهما بها واحدة.. وإذا كانت هناك حالات استثنائية، فليس ذلك عائداً لصفة الذكورة والأنوثة، وإنما مردّه إلى العوارض الطارئة التي استدعت هذا الاختلاف كما سنجد من الأمثلة التي سنذكرها.
ولابدّ لدى المقارنة من أن نتساءل في المقابل عن مصدر واجبات المرأة وحقوقها في المجتمعات الغربية. والجواب الذي نتبينه على صعيد الواقع المرئي، هو أن مصدر الواجبات التي تلاحقها هو سلطان المصالح المادية، أما مصدر حقوقها فهو أنوثتها.
ولقد كان من آثار سلطان المصالح المادية الذي يمثل مصدر الواجبات، ظهور أنواع من التعسف والظلم، انحطّ معظمه على المرأة، إذ هي مكلفة بسلطان هذا الدافع المادي بإعالة نفسها سواء أكانت فتاة في بيت أبويها، أو زوجة في كنف زوجها، مادامت قادرة على طرق باب أي عمل تكتسب منه!..
فما النتيجة التي جناها الغرب من وراء الاستسلام لهذا المصدر؟
هما نتيجتان:
أما أولاهما فهي أنه قضى بذلك على الأسرة إذ دمّر أهم مقوماتها. ذلك لأن الأسرة لاتنتعش إلا من خلال التضامن الذي يسري بين أفرادها، والذي يتمثل في مسؤولية الزوج عن الزوجة ومسؤولية الأبوين عن الأولاد. وهذا ماقضت عليه فلسفة الواقع عندما جعلت كل فرد فيها مسؤولاً عن نفسه.
وأما النتيجة الثانية: فهي أن الغرب عرّض أنوثة المرأة بذلك للدمار، لأنها أُخْرِجَتْ إلى العمل اضطراراً لا على وجه التوسع والاختيار، الأمر الذي حرمها من فرصة اختيار العمل المناسب لها والمتفق مع أنوثتها. فإن وافاها الحظ بعمل مريح فذاك، وإلاّ فلابدّ لها من قبول أي عمل لاتجد أمامها خيراً منه... وفي هذا الجوّ وتحت سلطان هذه الضرورة تغيب فوارق مابين الأعمال النسائية وأعمال الرجال. فما من عمل قاس مجهد مما يمارسه الرجال، إلا وتجد نساء كثيرات قد سبقنهم إليها بحكم الضرورة التي لامناص منها.
ولقد كان من آثار سلطان الأنوثة الذي يمثل على الصعيد العملي المصدر الأول لحقوق المرأة، أنه إذا ولّت هذه الأنوثة وغاض ألق الشباب، ولّت معهما مظاهر الإعزاز والإكرام التي كانت تتمتع بها، وربما حلّ محلها كثير من ضروب الإيذاء والامتهان.
وإذا كانت نصوص القوانين المكتوبة على الورق تنطق بغير هذا الذي أقول، فإن الوقائع المؤلمة التي تدور رحاها على المرأة الغربية التي تجاوزت مرحلة الشباب والكهولة، لاتُبقي أثراً لسلطان النصوص القانونية وسحرها الخلاب.
وقد كتب (Richard. F. Jones) الأستاذ في معهد القبالة وأمراض النساء في أمريكا مقالاً عن هذه الظاهرة الوبائية المخيفة بعنوان:( Voices be Heard Domestic Violence Let Our)
افتتح مقاله بقوله: هناك وباء يجتاح بلادنا، إنه لشنيع، وإنه غير قابل للتجاوز عنه. ثم قال الكاتب: إنه في كل (12) ثانية امرأة تضرب إلى درجة القتل أو التحطيم، من قبل صديق أو زوج. وفي كل يوم نرى نتائج هذا الضرب وآثاره في مكاتبنا في غرف الطوارئ لدينا، وفي عياداتنا!..
أقول: وأغلب الظن أنه لايستثنى من التعرض لهذا الوباء إلا اللائي أسعفهن حسن الحظ بمراكز وظيفية مرموقة أو مكانة اجتماعية متميزة.
أما المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية (ولايزال يحكم أكثرها كل من النظام والتربية الإسلامية) فتزداد مكانتها في نفوس الرجال وأعينهم سمواً، كلما تقدم بها السن وازدادت دنواً من مرحلة الشيخوخة. فالمرأة المسنّة في الدار هي السيدة الأولى فيها بغير منازع. لها الكلمة النافذة، والكل يعاملها بالتبجيل والتقديس.
وأساس ذلك أن مصدر حقوق المرأة في الإسلام إنسانيتها كما قلنا، والتربية الإسلامية لاتزال ـ بفضل الله ـ سارية التأثير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مهما قلنا عن تقصير المسلمين في الالتزام بإسلامهم وفي الانضباط بأنظمته وأخلاقياته.
ولقد كان من آثار اعتماد الشريعة الإسلامية لهذا المصدر (وهو إنسانية المرأة) أنها أي الشريعة الإسلامية متعت المرأة بحق العمل الذي يكون مشروعاً بحدّ ذاته، على أن تتحقق كفايتها المعيشية عن طريق مسؤولية الأب أو الزوج، لكي يكون سعيها إلى العمل ابتغاء رفاهية وتحسين معيشة، لابدافع ضرورة. وبذلك تستطيع أن تقي نفسها من الأعمال المرهقة التي لاتتناسب مع أنوثتها. وأجر العمل، فيما تقرره الشريعة الإسلامية، مرتبط بمدى إتقان العمل لا بهوية العامل. فالرجل والمرأة في أجر العمل سواء مادامت درجة الإتقان فيه واحدة، على أن يلاحظ في ذلك سّلم الأولويات عند تزاحم الأعمال.
وكان من آثار هذا المصدر أيضاً مساواة الرجل والمرأة في حق الشورى، سواء في اختيار أعضائه، أو في اشتراكها مع الرجال في هذه العضوية، أو في اختيار الحاكم ومبايعته.