فرض الله ـ سبحانه وتعالى ـ للأولاد حقوقًا على والديهم بصفة عامة وعلى الأب بصفة خاصة، ومنها التنشئة الإسلامية السليمة؛ لتعمير الأرض ولعبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ فالرسول يباهي الأمم يوم القيامة بالمسلمين العابدين الراكعين الساجدين، وليس بمن لا يحملون من الإسلام إلا اسمه فقط؛ لذلك فإن من التكاليف المُلقاة على الرجل الاهتمام بالأولاد لإقامة الدين حتى يجمعهم الله معه يوم القيامة مصداقًا لقول الله عز وجل: (والذينَ آمنوا واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتَهم) (الطور:21) وعلى الرجل أن ينقذ نفسه وزوجته وولده من النار من خلال إعانتهم على القيام بالأعمال الصالحات ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل: (يا أيها الذينَ آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم نارًا..) (التحريم: 6) لقد بَيَّنَ الرسول ـ ـ تلك المسئولية فقال: “إن الله َسائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه أَحَفِظَ أم ضيَع؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه. (النسائي وابن حبان).

وحقوق الأولاد على الآباء عديدة نذكر منها الآتي:

أولاً: مسئولية تنشئة الأولاد على توحيد العبودية لله ـ سبحانه وتعالى ـ وحب الله ـ عز وجل ـ وحب النبي ـ ـ وهذا ما نستنبطه من وصايا لقمان لابنه وهو يعظه كما وردت في القرآن الكريم: (وإذ قالَ لقمانُ لابنه وهو يَعِظُه يا بني لا تُشركْ بالله إن الشركَ لَظُلْمٌ عظيم) (لقمان:13) ولقد ورد عن الرسول ـ ـ قولُه: “ما مِن مولود يُولد إلا على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه..” الحديث. (البخاري) .

ثانيًا: مسئولية تنشئة الأولاد على العبادات المفروضة منذ الصغر مثل الصلاة والصوم وإيتاء الزكاة والصدقات.. وهذا ما ورد في وصايا لقمان إلى ابنه إذ قال له: (يا بُنىّ أقمِ الصلاةَ وأمرْ بالمعروفِ وَانْهَ عن المنكرِ واصبرْ على ما أصابَك إنَّ ذلك من عزمِ الأمور) (لقمان: 17) وهذا يُوجب على الأب بصفة خاصة أن يُعلم ويُدرب أولادَه على الصلاة والصوم ويصطحبهم إلى المساجد، وأن يضع لهم برنامجًا عمليًّا على ذلك بمعاونة الأم والإخوة الكبار بالمنزل وبالمسجد ويحاسبهم عليه.

ثالثًا: مسئولية التربية للأولاد قدوةً وتطبيقًا ومتابعة، فقد ورد عن رسول الله : “لأنْ يُؤدِّب الرجلُ ولدَه خيرٌ مِن أنْ يتصدقَ بصاع” (رواه الترمذي) وقال ـ ـ: “ما نَحَلَ والدٌ ولدًا من نَحْلٍ أفضلَ من أدبٍ حَسَن. (رواه الترمذي) وهذا يوجب على الأب أن يكون قدوة حسنة في أخلاقه وسلوكه لأولاده حيث إن كثيرًا من الخصال الحسنة تُوَرَّث ولا تُعَلَّم.

رابعًا: مسئولية تعليم الأولاد العلوم النافعة الحميدة، وهذا من مقاصد الشريعة الإسلامية الخمس “حفظ العقل” وحثَّ الإسلام على طلب العلم بصفة عامة، كما ورد في قول الله تبارك وتعالى: (اقرأ باسم ربِّك الذي خلق. خلق الإنسانَ مِن عَلَق. اقرأْ وربُّك الأكرم. الذي عَلَّمَ بالقلم. عَلَّم الإنسانَ ما لم يعلم) (العلق:1-5) كما ورد في قول الرسول ـ ـ: “طلبُ العلمِ فريضةٌ على كل مسلم” (متفق عليه).
ومن ناحية أخرى على الوالد تثقيف الأولاد وتعليمهم الفكر الإسلامي والإطلاع على كل جديد في هذا المجال حسب مراحل النمو حيث تؤثر هذه الثقافة الإسلامية في سلوكهم ومعاملاتهم مع والديهم وإخوانهم ومع الغير.
كما يجب توعيتهم بالتحذير من الأفكار الهَدَّامة للقيم الأخلاقية والثقافية الأصيلة، وأن تُعْرَض عليهم منذ الصغر في صورة شيقة الثقافة الإسلامية التي تتناول نواحي الحياة التاريخية والبطولية وأساليب التعامل الراقي بين أفراد المجتمع لاسيما الأقارب والأهل.

خامسًا: مسئولية الإنفاق على الأولاد دون إسراف أو تقتير، ودليل ذلك قول الله ـ تبارك وتعالى ـ: (قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين) (البقرة: 215) ويُعتبر الأولاد من الأقربين للإنسان، ويقول الرسول ـ ـ لهند زوجِ أبي سفيان: (خذي ما يَكْفيكِ وولدَك بالمعروف. (البخاري) ويجب الاعتدال في الإنفاق دون إسراف أو تقتير. فالإسراف يؤدي إلى الانحراف والفسوق، والتقتير قد يؤدي إلى السرقة ونحوها.

سادسًا: مسئولية تدريب الأولاد على شئون الحياة، وتوريثهم الخبرات حيث إن هناك قضايا كثيرةً لا توجد في الكتب وغيرها من الوسائل غير المباشرة، ولكن تُنقل من جيل إلى جيل بالتوارث المباشر، ويتطلب هذا الأمر إشراك الأولاد في الرأي والاستفادة من مشورتهم، ومن وصايا رجال التربية والدعوة الإسلامية تدريب الأولاد على شئون البيت والمشاركة في حل المشكلات المعاصرة لاكتساب الخبرة، والانتفاع من التجارب.

سابعًا: مسئولية تدريب الأولاد على أساليب الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بصحبتهم إلى حضور الندوات والمحاضرات والرحلات ونحوها؛ حتى ينشأ الولد على فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، ويكون من الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

ثامنًا: تربية الأولاد على أن يكونوا أحرارًا وليسوا عبيدًا بأن يتسع صدر الوالدين لهما والمحافظة على مشاعرهم وكرامتهم، وتجنب ضربهم وإذلالهم وتخويفهم، حيث إن إرهاب الأطفال يُورِثُهم الجبنَ والخوفَ ويَسلبهم إرادتَهم ويُضعف من شخصيتهم.

إذا قام الأب بهذه المسئوليات، وقامت الأم بما عليها من مسئوليات ـ كما سبقت الإشارة إليها ـ وُجِدَ الولد الصالح الحر ذو الشخصية القوية الذي يستطيع أن يقوم بواجباته نحو دينه ودنياه وبيته ونفسه في المستقبل، ويكون من جنود الله المجاهدين في سبيله.
وهناك صور مُشَرفة للأبناء الذين تربَّوا تربية إسلامية تحت رعاية الآباء والأمهات، من حيث القيم الإيمانية والأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن والتفوق العلمي، والنجاح العملي في كافة نواحي الحياة، وكانوا نماذج طيبة مباركة مؤثرة في المجتمع يُشار إليهم بأنهم من بيوت صالحة ملتزمة بشريعة الإسلام وهؤلاء هم جيل النصر المنشود.