يُستفاد مما ذَكَرَه القرطبي في تفسيره “ج 6 ص 129” أن هناك خلافًا في كون موسى وهارون كانا من بني إسرائيل في التيه الذي مكثوا فيه أربعين سنة، فقال بعضهم: لم يكونا معهم؛ لأن التية عقوبة وهما لا يستحقانها، ويؤيد قول موسى لما قعد بنو إسرائيل عن دخول الأرض المقدسة كما قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (سورة المائدة: 25) وقيل: كانا معهم لكن سهل الله الأمر عليهما كما جعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم.
ثم قال القرطبي: وروى عن ابن عباس أن موسى وهارون ماتا في التيه. وممن قال بذلك عمرو بن ميمون الأودي. وكانا خرجا في التيه إلى بعض الكهوف فمات هارون فدفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل، ولما سألوه عن هارون وأخبرهم بموته شكُّوا في قتله. فبرَّأ الله موسى بنطق هارون في قبره.
وقال الحسن: إن موسى لم يمت بالتيه، وقال الثعلبي: أصح الأقاويل أن موسى فتح أريحا ومكث بها، ثم قبضه الله ولا يعلم بقبره أحد من الخلائق، وذكر القرطبي حديث مسلم عن مناقشة موسى لملَك الموت، وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر” فقد علم الرسول قبره ووصف موضعه ورآه فيه قائمًا يصلي، كما في حديث الإسراء، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه الله عن الخلق سواه ولم يجعله مشهورًا عندهم، ولعل ذلك لئلا يُعبد، ويعني بالطريق طريق بيت المقدس. ووقع في بعض الروايات إلى جانب الطور مكان الطريق. ثم تحدث القرطبي عن لطم موسى عين ملك الموت وقد مر الحديث عن ذلك. ثم قال: إن عمر موسى كان مائة وعشرين سنة.