المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “لا طلاق في إغلاق” فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة.

من الأمراض الخطيرة التي تحدث عنها الفقهاء القدامى والمحدثين مرض الوسواس الذي يصيب الإنسان عامة، والمسلم خاصة فيحيل حياته إلى جحيم لا يطاق، ويفسد عليه دنياه وربما آخرته والعياذ بالله.
وهذا المرض له مظاهر عديدة، فقد يأتي للمسلم فيشككه في إيمانه بالله تعالى، ويلح على عقله ويسيطر على فكره حتى يقنعه أنه غير مسلم، فيفزع ويبادر بنطق الشهادتين، ويغتسل ويعاوده مرة أخرى حتى ييأس ويعلم أنه هالك فيترك الإسلام وكل ما يتصل به.
وقد يأتيه في الطهارة أو الصلاة فيشككه في طهارته، ويشككه في صلاته، يدخل لقضاء حاجته فلا يخرج إلا بعد فوات صلاة الجماعة، وربما بعد فوات وقت الصلاة، ويتحول المسلم من العيش للإسلام للعيش في الحمام!!
ويشككه في صلاته فلا يعرف كم صلى، ولا يعرف هل نوى أم لا، ولا يعرف هل كبر تكبيرة الإحرام أم لا ويظل هكذا حتى ينقطع عن الصلاة.
وقد يأتي الوسواس في موضوع الطلاق، فيظل يلح على الشخص حتى يتلفظ بالطلاق وهو كاره له، غير راغب فيه، ولا يسكت عنه الوسواس حتى ينطق بلفظ الطلاق؛ ليستريح من الوساوس إلى حين، ويبدأ رحلة أخرى من العذاب، وهي تأنيب الضمير بعد هدم الأسرة وتشتت شملها، وضياع الأطفال، فما موقف الشريعة الإسلامية من هذا الطلاق؟؟
ونحب قبل أن نجيب عن هذا السؤال أن نضع هذه الحقائق:
أولا:إن الله تعالى أرحم بنا من أمهاتنا ومن أنفسنا التي بين جنبينا، ولا يعقل أن يكلفنا ما لا نطيق، وعلى هذا تضافرت النصوص من القرآن والسنة، يقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) -البقرة: 185.
وقال سبحانه: (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) – المائدة: 6.
وقال سبحانه: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) النساء: 147.
ثانيا:إن الموسوس مريض، وأحكام المرضى في الفقه الإسلامي تختلف عن أحكام الأصحاء، وبالتالي لا يمكننا معاملته معاملة الصحيح في صلاته ولا طلاقه.
ثالثا:على الموسوس أن يأخذ بأسباب العلاج التي وضعها الله عز وجل وفق سننه في الأرض، وأن يأخذ بالأسباب حتى يعافيه الله تعالى.
رابعا:على الموسوس أن يقرأ في الفقه أو يسأل فقيها يرجح له أيسر الآراء، حتى يخرجه من هذا الحرج ويعود لحالته الطبيعية.
خامسا: على الموسوس ألا يعذب نفسه ويتهمها في كل شيء، وعليه أن يوقن بأن له ربا غفوراً رحيماً، تواباً حكيماً، ودوداً شكوراً هو الذي ابتلاه بالمرض، وهو القادر على رفع الضر، وذهاب البأس، ولن يؤاخذه في حال مرضه بما يؤاخذ به الأصحاء.
سادسا: عليه أن يطمئن على إيمانه وعباداته، ما دام يجتهد وسعه، وسيكون له أجران إن شاء الله، أجر المشقة وأجر العمل.
سابعا: يحذر الموسوس من ترك العمل بحجة أنه لا فائدة فيه، أو طلاق زوجه والانفصال عنها حتى يستريح من الوساوس فتلك نزغات الشيطان، ووسوسة النفس بل عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله تعالى.
أما عن حكم طلاق الموسوس: فطلاق الموسوس، لا يقع، سواء خطر في ذهنه لم ينطق أو يتلفظ به، أو تلفظ به تلفظاً صريحاً.
نقل ابن عابدين عن الليث: في مسألة طلاق الموسوس أنه لا يجوز طلاق الموسوس، قال: يعني المغلوب في عقله، ومعنى لا يجوز أي لا يقع.
ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين: إن المطلق إن كان زائل العقل بجنون أو إغماء أو وسوسة لا يقع طلاقه.
ويقول الشيخ ابن عثيمين:
إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه، إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “لا طلاق في إغلاق” فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة فهذا الشيء الذي يكون مرغماً عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.