اختلف العلماء فيمن نوى الفطر ولم يفطر بالفعل، أي لم يأكل ولم يشرب ولم يجامع ، هل يبطل صومه أم لا ، ولم يفرق أكثرهم في ذلك بين صوم النفل والتطوع وبين صوم الفرض أو الواجب، بينما فرق البعض لأن النفل فيه تسامح عن الفرض الذي يغلب فيه جانب الاحتياط لتبرئة الذمة، فالصحيح التفرقة بين النفل والفرض:

وقال الشافعية، وهو قول عند المالكية :من نوى الفطر – وهو صائم – بطل صومه، وإن لم يتناول مفطرا،لأن النية ركن من أركان الصيام، فإذا نقضها – قاصدا الفطر ومعتمدا له – انتقض صيامه لا محالة.

وقال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، والحنفية ، وهو الراجح عند المالكية: من أصبح وهو ينوى الفطر إلا أنه لم يأكل ولا شرب ولا وطئ: فله أن ينوى الصوم ما لم تغب الشمس، ويصح صومه بذلك.

ولذا يستحب قضاء اليوم إذا كان الصوم فرضا، بخلاف النفل أو التطوع .

وهذه بعض أقوال الفقهاء:

قال ابن عابدين في حاشية المختار( 2/448 ): الصائم إذا نوى الفطر لا يفطر .

وقال السرخسي الحنفي في كتابه “المبسوط” (4/81 ) :

إذا أصبح ناويا للصوم ثم نوى الفطر لا يبطل به صومه عندنا .

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: يبطل فإن الشروع في الصوم لا يستدعي فعلا سوى نية الصوم، فكذلك الخروج لا يستدعي فعلا سوى النية ؛ ولأن النية شرط أداء الصوم ، وقد أبدله بضده وبدون الشرط لا تتأدى العبادة .

ولنا الحديث الذي روينا:( الفطر مما يدخل ) وبنيته ما وصل شيء إلى باطنه،  ثم هذا حديث النفس : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا)، وكما أن الخروج من سائر العبادات لا يكون بمجرد النية فكذلك من الصوم وبالاتفاق اقتران النية بحالة الأداء ليس بشرط فإنه لو كان مغمى عليه في بعض اليوم يتأدى صومه. (انتهى).

وفي ” التاج والإكليل لمختصر خليل” من كتب المالكية (3/240،241):

اختلف في وقوع الفطر بالنية إذا كانت النية بعد انعقاد الصوم وصحته ، فجعله في المدونة مفطرا، وهو أحسن لأن الإمساك لا يكون قربة لله إلا بالنية ، فإذا أحدث هذا نية أنه لا يمسك بقية يومه لله لم يكن مطيعا ولا متقربا وكان بمنزلة من صلى من الفريضة ركعتين ثم نوى أن يتمها على أنه غير متقرب لله بما بقي من عمل تلك الصلاة وهو ذاكر غير ناس لما دخل فيه ، أو غسل بعض أعضائه بنية الطهارة ثم أتم ذلك على وجه التبرد فإنه لا يجوز شيء من ذلك، وإن كان نوى أن يفطر بالفعل بالأكل أو الشرب أو غيره ثم بدا له وأتم على ما كان عليه أجزأه صومه ، وليس كالأول لأن الأول نوى أن يكون في إمساكه غير متقرب لله ، وهذا نوى أن يفعل شيئا يفطر به فلم يفعل وبقي على نية القربة بمنزلة من أراد أن يصيب أهله فلم يفعل فهو باق على طهارته .

وفي كتابهم ” الكافي” :ومن نوى الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب فقيل عليه القضاء والكفارة، وقيل عليه قضاء دون كفارة، وقيل لا قضاء ولا كفارة حتى يفعل شيئا من الأكل والشرب وإن قل عامدا ذاكرا لصومه وهذه أصحها ، وقال سحنون إنما يكفر من بيت الفطر فأما من نواه في نهاره فلا يضره وإنما يقضي استحبابا.(انتهى).

وفي الشرح الكبير لابن قدامة الحنبلي (3/29) :

فأما صوم النفل فان نوى الفطر ثم لم ينو الصوم بعد ذلك لم يصح صومه، لأن النية انقطعت ولم توجد نية غيرها فأشبه من لم ينو أصلا، وإن عاد فنوى الصوم صح، كما لو أصبح غير ناو للصوم لأن نية الفطر إنما أبطلت الفرض لقطعها النية المشترطة في جميع النهار حكما وخلو بعض أجزاء النهار عنها، والنفل بخلاف ذلك فلم يمنع صحة الصوم نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه لأن نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت، وعدمها لا يمنع صحة الصوم إذا نوى بعد ذلك؛ فكذلك إذا نوى الفطر ثم نوى الصوم بعده، وقد روي عن أحمد أنه قال: إذا أصبح صائما ثم عزم على الفطر فلم يفطر حتى بدا له ثم قال لا بل أتم صومي من الواجب، لم يجزئه حتى يكون عازما على الصوم يومه كله، ولو كان تطوعا كان أسهل.

وقد دل على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل أهله هل من غداء؟ فإن قالوا لا. قال: ” إني إذا صائم ” . (انتهى).

ويقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة –أستاذ الفقه وأصوله جامعة القدس فلسطين-:

وأما مسألة لو نوى الصائم في نهار رمضان قطع الصيام ولم يأكل ولم يشرب ولم يأت شهوته ، فإن المسألة خلافية بين أهل العلم ، فمنهم من يرى أن من نوى الإفطار فقد أفطر وإن لم يأكل ولم يشرب ، لأن الصوم عبادةٌ من شرطها النية ، فيفسد الصوم بنية الخروج منه .

ومن أهل العلم من يرى أن من نوى الفطر لا يفطر ، لأنه لم يفعل ما يوجب الفطر ، وهذا القول هو الذي أختاره وأرجحه ، وهو قول الحنفية والأصح عند الشافعية ، كما قال الإمام النووي في المجموع 3/285 .

وقاسوا ذلك على من نوى الكلام في صلاته ولم يتكلم فصلاته صحيحة ولأن الصوم ملحق بالتروك ، انظر الموسوعة الفقهية 28/27 . (انتهى).

 ولكن هذا من ناحية الإبطال والإفساد.
وأما من ناحية الأجر فالحديث واضح أنه لا ثواب إلا بنية:( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فالمدة السابقة على النية لا ثواب عليها.