قال ابن رشد – رحمه الله – إن صيامه واجب عليه سواء صام الناس أو لم يصوموا، وحكمه الإجماع على ما قاله إلا عند عطاء فإنه قال: لا يصوم إلا برؤية غيره [بداية المجتهد، ج1، ص197، المحلي -لاين حزم، ج6، ص235، العدة شرح العمدة، ص148، الفتاوى الهندية في فقه الحنفية، ج1، ص197 -198].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى: “من رأى الهلال وحده هلال الصوم (رمضان)، أو خلال الفطر (شوال) فللعلماء فيه ثلاثة أقوال هي ثلاثة روايات عن أحمد:

(الأول): أن عليه أن يصوم وأن يفطر سرًا وهو مذهب الشافعي.

(الثاني): يصوم ولا يفطر إلا مع الناس وهو المشهور من مذهب أحمد، ومالك، وأبي حنيفة.

(الثالث): يصوم مع الناس ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية محتجًا بقوله النبي صلى الله عليه وسلم: “صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون، وإضحاكم يوم تُضحون. وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث بأن الصوم والفطر يكونان مع الجماعة. وكما لا يعرف وحده – أي لا يقف على عرفات وحده بل مع جميع الحجاج المسلمين- فلا يضحي وحده. [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية”، ج25، ص114 وما بعدها، “الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية”، ص106].

وفي “المغنى” لابن قدامة الحنبلي [المغني ، ج3، ص156] :المشهور من المذهب أنه من رأي الهلال وحده لزمه الصيام عدلاً كان أو غير عدل. شهد عند الحاكم أو لم يشهد، قبلت شهادته أو لم تقبل. وهذا قول مالك، والليث، والشافعي، وأصحاب الرأي… الخ.

هل يثبت هلال رمضان بالخبر عن رؤيته:

وإذا أخبر شخص الناس عن رؤيته هلال رمضان، فهل يثبت رمضان بخبره وحده، وهل يشترط فيه شروط معينة؟ أم لا بد من تعدد المخبرين برية هلال رمضان فلا تكفي رؤية الواحد والإخبار عنها ولو كان عدلاً؟.

أقوال للفقهاء في هذه المسالة نوجزها بالآتي:-

أولاً: مذهب الحنفية:-
قالوا: إن كانت السماء مصحية لا غيم فيها لم تقبل إلا شهادة جمع كثير يقع العلم بخبرهم، وتقدير عددهم مفوض إلى رأي الأمام أو نائبة. ووجه هذا القول أن انفراد شخص برؤية والسماء صحو من دون الآخرين يلقي شكًا في صحة خبره، وهذا في ظاهر الرواية عند الحنفية. وروي عن أبي حنيفة قبول شهادة الواحد العدل كما لو كانت السماء صحوًا.

وإذا كانت السماء متغيمة، تقبل شهادة الواحد بلا خلاف ند الحنفية سواء كان حرًا أو عبدأ، رجلاً كان أو امرأة، بشرط أن يكون مسلمًا بالغاً عاقلاً عدلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان، ولأن هذا في الحقيقة ليس بشهادة بل هو إخبار بدليل أن حكمه يلزم الشاهد وهو الصوم، وحكم الشهادة لا يلزم الشاهد، ثم إن الإنسان لا يتهم في إيجاب شيء على نفسه، فدل بذلك كله على انه ليس بشهادة بل هو إخبار.

والعدل ليس بشرط في الإخبار إلا أنه إخبار في أمور الدين، فيشترط فيه الإسلام، والبلوغ، والعقل، والعدالة، كما في رواية الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رأى الهلال شخص واحد ورد القاضي شهادته لزمه الصوم، لأن عنده أن ذلك اليوم هو من رمضان فيؤاخذ بما عنده أي بما يعتقده.

ثانيًا: مذهب الشافعية:-
يثبت هلال رمضان بخبر العدل، وخبره يعتبر بطريق الرواية على أحد القولين في مذهبهم، فيقبل بهذا الاعتبار خبر المرأة برؤيتها هلال رمضان. وعلى القول الآخر يقبل قول الواحد العدل بطريق الشهادة، فلا يقبل إلا قول الرجل العدل، فلا تقبل شهادة المرأة بريتها الهلال.
وفي قول عند الشافعية لا يثبت هلال رمضان إلا بشهادة رجلين عدلين كما في غيه من الشهور. وما قلناه كله عند الشافعية سواء كانت السماء مصحية أم لا.

ثالثًا: مذهب المالكية:-
عندهم لا يثبت هلال رمضان بشهادة عدل واحد، وإنما يثبت بشهادة عدلين إذا كان في السماء غيم، فإن لم يكن فكذلك تكفي شهادة اثنين عدلين، وهو ظاهر ما في المدونة للإمام مالك. [المقدمات الممهدات، لابن رشد، ج1، ص187].
ولكن المالكية قالوا: إن رؤية الواحد كافية لثبوت هلال رمضان في محل لا اعتناء فيه بأمر الهلال، ولو كان الرائي امرأة ولكن بشرط أن تثق النفس بخبره [الشرح الصغير، للدردير و “حاشية الصاوي” ، ج1، ص240].

رابعًا: مذهب الحنابلة:-
وعندهم، يقبل في هلال رمضان خبر واحد عدل، ويلزم الناس الصيام بقوله، وقال ابن قدامة: وهذا قول عمر وعلي، وابن عمر، وابن المبارك [المغنى، ج3، ص157، “العدة شرح العمدة”، ص148، “غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى”، ج1، ص320].

خامسًا: مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهري: “ومن صح عنده بخبر من يصدقه – من رجل واحد، أو امرأة واحدة، أو عبد، أو حر، أو أمة، أو حرة فصاعداً – إن الهلال قد رؤي البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم، صام الناس أو لم يصوموا، وكذلك لو رآه واحده… الخ [“المحلي” ، ج6، ص235].

القول الراجح في الخبر الذي يثبت به رمضان:-
والراجح ما ذهب إليه الظاهرية والحنابلة من ثبوت هلال رمضان بشهادة شخص عدل واحد، لما روي عن ابن عباس انه قال: “جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال فقال: أتشهد أن لا غله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدًا”. رواه أبو داود [“سنن ابي داود”، ج6،ص466 – 467].

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: “تراءى الناس الهلال – أي هلال رمضان – فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رايته، فصام، وأمر الناس بصيامه” رواه أبو داود أيضًا. [“سنن أبي داود”، ج6، ص468].

ففي هذين الحديثين الشريفين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر الواحد في رؤية هلال رمضان وأمر الناس بالصيام بناء على خبر الواحد، وأيضًا فإن الإخبار عن رؤية الهلال خبر عن دخول وقت فريضة الصيام، فيما طريقه المشاهد فيقبل من واحد، كالخبر بدخول وقت الصلاة يقبل من واحد. [“المغنى”، ج3، ص157 – 158].

إنهاء شهر رمضان:-
ينتهي صيام رمضان بهلال شهر شوال، ويثبت ذلك برؤيته من قبل اثنين عدلين يشهدان على رؤيتهما لهلال شوال في قول الفقهاء جميعًا على ما قاله الإمام ابن قدامة رحمه الله، ولم يستثنى منهم إلا أبا ثور، فإنه قال: يقبل قول واحد؛ لأنه أحد طرفي شهر رمضان أشبه طرفه الأول أي هلاله، ولأنه خبر لا يجري مجرى الشهادات وإنما مجرى الرواية، والإخبار عن الأمور الدينية يقبل فيها خبر الواحد. [“المغنى” ، ج3، ص158].
وعند الحنفية، لا يثبت هلال شوال – إن كانت السماء صحوًا – إلا شهادة جماعة يحصل العلم لقاضي يخبرهم كما في هلال رمضان. فإن كان في السماء علة من غيم ونحوه فلا تقبل في ثبوت رؤيته إلا شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين عدلين. [“البدائع”، ج2، ص80، “الفتاوى الهندية” ، ج1، ص198].

وعند الظاهرية كما جاء في “المحلى” لابن حزم: “ولو صح عنده بخبر واحد أيضًا – كما ذكرنا – فصاعدًا أن هلال شوال قد رؤي فليفطر، افطر الناس أو صاموا، وكذلك لو رآه هو وحده، فإن خشي ذلك أذى فليستتر بذلك – أي بفطره. [“المحلى”، ج6، ص235].

القول الراجح فيما يثبت به انتهاء رمضان:
والراجح أن هلال شوال، الذي ينتهي به رمضان يثبت هذا الهلال بشهادة الواحد، كما ذهب إلى ذلك أبو ثور والظاهرية، لأن ثبوت هلال رمضان يثبت بخبر الواحد، كما جاء في الحديث النبوي الشريف كما ذكرناه، فينبغي أن يثبت هلال شوال بمثل ما يثبت به هلال رمضان، وأيضًا التقيد بقول خبر الواحد يدل على قبوله في كل موضع إلا ما ورد الدليل بتخصيصه بعدم التقيد فيه بخبر الواحد. [“نيل الاوطار”، ج4، ص187-188].

هل يثبت هلال رمضان وشوال بخبر المرأة:

أ- عند الحنفية: يثبت هلال رمضان بإخبار امرأة عن رؤيتها الهلال، ولكن لا يثبت هلال شوال إلا بشهادة رجلين، أو بشهادة رجل وامرأتين كما قلنا. [الفقرة “1269”، والفقرة 1278″].

ب- مذهب الشافعية: وعندهم يثبت هلال رمضان بقول الواحد العدل، كما ذكرنا من قبل، ولكن اختلفوا في قبول قوله، هل هو بطريق الرواية أم بطريق الشهادة؟ فيه عندهم، وجهان مشهوران:

(الأول): أنه بطريق الشهادة، وعلى هذا الوجه لا يقبل فيه قول المرأة.

(الثاني): أنه بطريق الرواية فيقبل فيه قول المرأة. [“المجموع” ، ج6، ص303 – 306].
وأما في الفطر، فلا يقبل في إثبات هلال شوال اقل من شهادة عدلين، لنه إسقاط فرض – أي فرض الصيام – فاعتبر فيه العدد احتياطًا للفرض. [“المجموع” ، ج6، ص304].

ج- مذهب الحنابلة: يثبت هلال رمضان بقول المرأة وإخبارها برؤيته؛ لأنه خبر ديني فاشبه الرواية، والخبر عن القبلة ودخول وقت الصلاة.
ولا يقبل قولها في إثبات هلال شوال، إذ لا يثبت عندهم هلال شوال إلا بشهادة رجلين عدلين، لأنها شهادة على هلال لا يدخل بها في العبادة، فلم تقبل فيه غلا شهادة اثنين كسائل الشهود. [“المغنى”، ج3، ص159، “غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى”، ج1، ص320].

د- وعند المالكية: لا يثبت هلال رمضان بقول المرأة لا منفردة ولا معها رجل عدل، ولا معه امرأة ورجل عدل؛ لن ثبوته بعدلين [“شرح الأزهار” ، ج2، ص5-6، “الشرح الكبير للدردير في فقه المالكية”، ج1،ص509].. وإذا كان هذا في هلال رمضان عند المالكية فأولى عندهم أيضًا في هلال شوال.

هـ- وعند الظاهرية: يثبت هلال رمضان بخبر المرأة الواحدة، كما يثبت بخرها هلال شهر شوال [“المحلى” ، ج6، ص235].

القول الراجح:
والراجح قول الظاهرية، فيقبل قول المرأة المسلمة في ثبوت هلال رمضان وشوال، لن إخبارهما برؤية الهلال من قبل الإخبار بأمور الديانة، فيجري مجرى الرواية، وهذه يقبل فيها خبر الواحد رجلاً كان أو امرأة. ما دامت العدالة متحققة فيهما.

هل يفطر من رأى هلال شوال وحده:

ومن رأى وحده دون غيره هلال شوال، فهل يفطر بنا على رؤيته هذه؟أقوال للفقهاء في هذه المسألة:

فعند الحنفية: لا يفطر برؤيته المنفردة حتى لو كان الرائي الإمام وحده أو القاضي وحده [“الفتاوى الهندية”، ج1، ص197 – 198].
وكذلك قال الحنابلة، وإن كان قد نقل عن ابن عقيل الحنبلي: يجب عليه الفطر سرًا، لنه بريته تيقن يوم عيد وهو منهي عنه. ولكن صاحب “كشاف القناع” الحنبلي رده بقول: “وأجيب بأنه لا يثبت به اليقين في نفس الأمر إذ يجوز أنه خيل إليه فينبغي أن يتهم في رؤيته احتياطًا للصوم [“كشاف القناع” ، ج1، ص506، “غاية المنتهي في الجمع بين الإقناع والمنتهى”، ج1، ص321].

وعند المالكية – كما ينقل ابن جزي المالكي – بأنه: “من رأي وحده هلال شوال لم يفطر عند مالك خوف التهمة، وسدًا للذريعة. وعلى المذهب: عن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين الله” [“قوانين الأحكام الشرعية” لابن جزي المالكي، ص34].

وقال الأمام النووي الشافعي: “ومن رأي هلال شوال وحده لزمه الفطر، وهذا لا خلاف فيه عندنا لقوله صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته” [“المجموع”، ج6، ص310]. وكذلك، الحكم عند الظاهرية، فهم ف هذه المسالة كالشافعية [“المحلى”، ج6، ص235].

هل يجوز إثبات الهلال بالحساب:

ثبوت الهلال يكون بالرؤية، وقد ذكرنا الأحاديث الدالة على ذلك منها: “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته” [الفقرة “984”]. فالصوم والفطر معلقان برؤية الهلال: هلال رمضان، وهلال شوال. فلا يجوز إثباتها بالحسابات الفلكية، وقد بينا الحكمة في ذلك [الفقرة “985”].

وقد صرح الفقهاء بعدم جواز الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات الهلال، وإيجاب الصوم بناء على هذا الاثبات؛ لأن الشرع علق الصيام بالرؤية لا بالحساب.

قال المالكية: “ولا يثبت الهلال بقول منجم، أي: مؤقت يعرف سير القمر، لا في حق نفسه، ولا في حق غيره؛ لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال لا بوجوده إن فرض صحة قوله” [“الشرح الصغير للدردير في فقه المالكية”، ج1، 241].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلا الصوم، أو الحج، أو العدة، أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال يخبر الحاسب أنه يرى – أي الهلال – أو لا يرى، لا يجوز. النصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف في الحديث..”[ “مجموع فتاوى ابن تيمية”، ج25، ص132].

وقال ابن تيمية أيضًا: “المعتمد على الحساب في الهلال ضال في الشريعة مبتدع في الدين” [“مجموع فتاوى ابن تيمية”، ج25، ص207].

آراء الفقهاء في اختلاف المطالع:

المطالع جميع مطلع (بكسر اللام) موضع طلوع الهلال. ونفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، بمعنى انه قد يكون بين البلدتين بُعد بحيث يطلع الهلال ليلة كذا في أحد البلدتين دون الأخرى. وإنما الخلاف بين الفقهاء في اعتبار اختلاف المطالع بمعنى أنه هل يجب على كل قوم اعتبار مطلعهم، ولا يلزم العمل بمطلع غيره؟ أم لا يعتبر اختلافهما بل يجب العمل بالأسبق رؤية، حتى لو رؤي في المشرق ليلة الجمعة، وفي المغرب ليلة السبت، وجب على أهل الغرب العمل بما رآه أهل المشرق؟. [“رد المحتار على الدر المختار” لابن عابدين، ج2، ص293].

واختلاف الفقهاء نوجزه فى الآتي:-

أولاً: مذهب الحنفية:-
المعتمد عند الحنفية، وهو ظاهر الرواية في مذهبهم، هو عدم اعتبار المطالع، فإذا ثبت الهلال في بلد – أي هلال رمضان – وجب الصيام على أهل البلد الأخر الذي لم ير الهلال فيه [“رد المحتار على الدر المختار” لابن عابدين، ج2، ص393].

وفي “الفتاوى الهندية في فقه الحنفية”: ولا عبرة لاختلاف المطالع في ظاهر الرواية، وبه كان يفتى شمس الأئمة الحلواني قال: لو رأى أهل مغرب هلال رمضان يجب الصوم على أهل مشرق” [“الفتاوى الهندية”، ج1، ص198 – 199].

ثانياً: مذهب المالكية:-
جاء في “قوانين الأحكام الشرعية” لابن جزي المالكي: “إذا رأى الهلال أهل بلد لزم الحكم غيرهم من أهل البلدان وفاقًا للشافعي وخلافًا لابن الماجشون – من فقهاء المالكية – ولا يلزم – أي الصيام ونحوه – في البلاد البعيدة جدًا كالأندلس والحجاز إجماعًا” [“قوانين الأحكام الشرعية” لابن جزي المالكي، ص134 – 135].

ثالثًا: مذهب الشافعية:-
قالوا: إذا رُؤي الهلال في بلد ، ولم يروه في بلد آخر، ينظر: فإن تقارب البلدان فحكمهما حكم بلد واحد، ويلزم أهل البلد الآخر الصوم بلا خلاف. وإن تباعد البلدان فوجهان (أصحهما): لا يجب الصوم على هل البلد الآخر.
وأما ما يعتبر به البعد والقرب فثلاثة اوجه (أصحها): أن التباعد يختلف باختلاف المطالع، كالحجاز والعراق وخراسان. والتقارب أن لا يختلف كبغداد والكوفة لأن مطلع هؤلاء مطلع هؤلاء، فإذا رآه هؤلاء فعدم رؤية الآخرين له إنما هو لتقصيرهم في التأمل أو لعارض بخلاف مختلفي المطلع.

رابعًا: مذهب الحنابلة:
قالوا: “وإذا ثبت رؤيته ببلد لزوم الصوم جميع الناس” [“غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى”، ج1، ص319 – 320]، وقالوا أيضا: “وإذا ثبتت رؤية الهلال بمكان قريب كان أو بعيد لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه لقوله صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته”، وهو خطاب للأمة كافة..” [“كشاف القناع” ،ج1، ص504].
وفي “المغنى” لابن قدامة الحنبلي: “وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم لقوله تعالى: ]فمن شهد منكم الشهر فليضمه[، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات، فوجب صومه على جميع المسلمين” [“المغنى” ، ج3، ص87، 88].

القول الراجح:
والراجح ما ذهب إليه الحنابلة لما احتجوا به لمذهبهم، وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته..”، والخطاب لجماعة المسلمين مهما اختلف ديارهم وبلادهم، ولكن يبدو لي أن من اللازم تقييده باشتراك بلد الرؤية مع غيره من البلاد بليل أو بجزء منه كالبلاد العربية، أما إذا كان اختلاف المطالع كثيرًا جدًا كأن يكون في أحد البلدين ليل وفي الآخر نهار، ورؤي الهلال في البلد الأول، فإن حكم الرؤية يختص به دون الثاني.
ومما يرجح ترجيحنا أنه يتفق ورغبة الشريعة الإسلامية في وحدة المسلمين واجتماعهم في أداء شعائرهم الدينية. لا سيما في زماننا حيث يمكن إعلام جميع بلاد الإسلام برؤية الهلال في البلد الذي رؤي به عن طريق الراديو وغيره.

الانتقال من بلد الرؤية إلى غيره وبالعكس:-

وإذا انتقل المسلم من بلد الرؤية إلى غيره وبالعكس في شهر رمضان فإن الحكم بالنسبة إليه يختلف باختلاف الحالات التالية.[“المجمع”، ج6، ص302].

الحالة الأولى: لو شرع في الصوم في بلد الرؤية، ثم سافر إلى بلد بعيد لم ير أله الهلال حين رآه أهل البلد الأول، فاستكمل صيام ثلاثين يومًا من حين صام، فإن قلنا: لكل بلد حكمه ومطلعة فالصوم يلزمه معهم؛ لأنه صار منهم أي: من أهل البلد الثاني الذي انتقل إليه. وهناك قول: يفطر لأنه التزم حكم البلد الأول، وإن قلنا: تعم الرؤية كل البلاد لزم أهل البلد الثاني موافقته في الفطر إن ثبت عندهم رؤية البلد الأول بقوله أو بغيره، وعليهم قضاء اليوم الأول. وإن لم يثبت عندهم رؤية البلد الأول بقوله أو بغيره، وعليهم قضاء اليوم الأول. وإن لم يثبت عندهم لزمه هو الفطر، كما لو رأى هلال شوال وحده، ويفطر سرًا.

الحالة الثانية: ولو أن مسافرًا من بلد لم يروا فيه الهلال إلى بلد رُؤي فيه الهلال، فافطروا وعيدوا اليوم التاسع والعشرين من صومه، فإن عممنا حكم الرؤية أو قلنا له حم البلد الثاني، افطر وعيد معهم ولزمه قضاء يوم. وإن لم نعمم حكم الرؤية وقلنا له حكم البلد الأول لزمه الصوم.