إن فكرة تسجيل أنواع وأصوات من الأذان إلكترونيا ، وتخزينها في ملفات إلكترونية خاصة ، ثم اختيار الأذان المطلوب ، وبثه إذاعياً حسب أوقات الصلاة بواسطة أجهزة ترتبط مع شبكة المكبرات والموزعات الصوتية الموجودة داخل المساجد ، لابد أن يستهوي كل قارئ وسامع ، لاشتمالها على توحيد الأذان في البلد ، وتخيّر الأصوات الندية للتأذين ، وتحديد أوقات الأذان بواسطة جهاز الحاسب الإلكتروني الذي يقوم بضبطها بدقة .

لكن هناك سلبيات ومحاذير تقابل هذه المحسنات ، وتقلل من شأنها ، منها :
أولاً: إن المطلوب في الشرع هو إنشاء الأذان والقيام بعملية التأذين فعلاً ، وهذا البث الإلكتروني إنما هو صدى للتأذين ، وليس هو الأذان الفعلي المطلوب في الشرع .

فكما أن المطلوب شرعاً هو أن يؤدي المسلمون الصلاة فعلاً ، لا أن توجد مجرد صلاة ، كذلك المطلوب هو أن يؤذن كل جَمْع من المصلين قبل صلاتهم فعلاً ، لا أن يكون هناك مجرد أذان أو صدى تأذين ، لأن الأذان عبادة لابد فيها من قصد التعبد ، وهو لا يحصل من الآلة .

ثانياً : إن الأذان سنة للصلاة وشعيرة من شعائر الدين تتقدم الصلاة فعلاً ، ويؤذن للصلاة نفسها بعض المصلين أنفسهم ، بل الأفضل عند الحنفية أن يكون الإمام هو المؤذن ، كما كان عليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى – كما ذكر ذلك الكمال في فتح القدير 1 / 178 ط . بولاق ، ونقله الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح ص 124 ط . بولاق ، وإذاعة الأذان الواحد المذكورة بواسطة الأجهزة يُخْلي الصلاة من هذه الشعيرة ، لأنه كما ذكرنا ليس تأذينًا فعلاً ، بل هو صدى .

ولهذا يأثم أهل المنطقة بذلك ، ويرتكبون الكراهة بسبب ترك سنة الهدي التي أشار إليها الإمام أبو حنيفة بقوله : « لو اجتمع أهل بلدة على تركه قاتلتهم ، ولو تركه واحد ضربته وحبسته » .

ثالثاً: إن هذا الأسلوب المقترح للأذان – لو سلمنا بشرعيته – يحصر فضله في مؤذن واحد ، بل قد يفقد المؤذن مطلقاً إذا كان تشغيل الجهاز أتوماتيكيا كاملاً ، ويَحْرُم كثيرين من المؤذنين من فضل الأذان العظيم ، وقد صرحت به أحاديث وآثار كثيرة نذكر منها :
1 ) حديث : « لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة » رواه البخاري .

2 ) وحديث : « المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة » رواه مسلم .

3 ) وحديث : « لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه … » متفق عليه ، ومعناه لتنافسوا حتى يجروا القرعة للفوز عليه .

بل لقد تمنى عمر – رضي الله تعالى عنه – أن يكون هو المؤذن للصلاة ، وقال : لولا الخلافة لأذنت .

4 )  أنه يفوت على الناس سنة مأثورة مشهورة ، وهي أن يقيم للصلاة من أذن لها ، كما روي في الحديث : « من أذن فهو يقيم » وهو حديث فيه ضعف ، لكن عليه يحيل الفقهاء ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر بنفسه وأقام وصلى الظهر .

5 ) أن المأثور في أذان الجمعة أن يكون ابتداؤه حين يجلس الإمام على المنبر ، فلو أريد تطبيق هذا النظام بصورة شاملة لما تأتى ضبط تلك اللحظة في كل المساجد ، فقد يتأخر الإمام في جلوسه وقد يتقدم ، والسنة أن يؤذن بين يدي الخطيب ، ولا يقوم الجهاز مقامه بين يديه .

6 ) هناك فرق واضح بين أن يسمع المصلون الأذان من مؤذن من بينهم يرونه وهو يردد كلمات الأذان ويضفي عليها من نفسه وروحه ، وبين أن يسمعوا الأذان من جهاز آلي . لا حركة فيه ولا حياة ، وذلك كالفرق بين الحي والميت .

7 ) إن ربط هذه الشعيرة العظيمة ، المشروعة للصلاة – وكأنها بنفسها هي صلاة بهذه الأجهزة – فيه تعريضها للاضطراب والفوضى كلما لحق الأجهزة خلل أو مسها سوء ، بمقدار ما فيه من استهواء توحيد الأذان ، وتحديد مواقيت الصلاة وتخير الأصوات الندية.

ومن أجل ذلك كله ترى لجنة الفتوى( بالكويت) عدم شرعية استخدام هذا النظام المقترح للتأذين الموحد واستمرار العمل على ما توارثته الأمة .

السؤال كان موجها للجنة الفتوى بالكويت.