يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

أثار القرطبي في تفسيره “ج 2 ص 229” مسألة قال فيها: إذا وجد المضطر ميتة وخنزيرًا ولحم ابن آدم أكل الميتة لأنها حلال في حال ـ والخنزير وابن آدم لا يحل بحال، والتحريم المخفَّف أوْلى أن يُقتَحم من التحريم المثقَّل، وهذا هو الضابط للأحكام، ولا يؤكل ابن آدم لو مات، قاله علماؤنا ـ أي المالكية ـ وبه قال أحمد وداود، احتج أحمد بقوله عليه السلام: “كسر عظم الميت ككسره حيًّا”.
وقال الشافعي: يأكل لحم ابن آدم ولا يجوز له أن يقتل ذميًّا، لأنه محترم الدم، ولا مسلمًا ولا أسيرًا لأنه مال الغير…
قال ابن العربي: الصحيح عندي ألا يؤكل الآدمي إلا إذا تحقق أن ذلك يُنجِيه ويُحيِيه.
وجاء في “الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3711” قول الشيخ جاد الحق على جاد الحق: وفي جواز أكل لحم الآدمي عند الضرورة قال فقهاء الحنفية ـ على ما جاء في الدر المختار للحصكفي وحاشية رد المحتار لابن عابدين في الجزء الخامس ـ إن لحم الإنسان لا يباح في حال الاضطرار ولو كان ميتًا، لكرامته المقررة بقوله الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (سورة الإسراء : 70) وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حي وأكله ولو كان مباح الدم كالحربي والمرتد والزاني المحصن، لأن تكريم الله لبني آدم متعلق بالإنسانية ذاتها، فتشمل معصوم الدم وغيره، وبهذا أيضًا قال الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية .
ويقول الفقه المالكي :إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمي، وهذا أمر تعبدي، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمي إذا كان ميتًا، بناء على أن العلة في تحريمه ليست تعبدية وإنما لشرفه، وهذا لا يمنع الاضطرار، على ما أشار إليه في الشرح الصغير بحاشية الصاوي في الجزء الأول.
وأجاز الفقه الشافعي والزيدي أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها: ألا يجد غيره، كما أجاز للإنسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله، استبقاء للكل بزوال البعض، كقطع العضو المتآكل الذي يخشى من بقائه على بقية البدن، وهذا بشرط ألا يجد محرمًا آخر كالميتة مثلاً، وأن يكون الضرر الناشئ من قطع الجزء أقل من الضرر الناشئ من تركه الأكل، فإن كان مثله أو أكثر لم يجُزْ قطع الجزء، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمي آخر معصوم الدم، كما لا يجوز للآخر أن يقطع عضوًا من جسده ليقدمه للمضطر ليأكله.
وفي الفقه الحنبلي : إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله في حال الاضطرار، ولا إتلاف عضو منه، مسلمًا كان أو غير مسلم، أما الإنسان الميت ففي إباحة الأكل منه في حال الضرورة قولان، أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل مه، لأن حرمة الحيِّ أعظم من حرمة الميت. قال ابن قدامة في “المغني” إن هذا القول هو الأولى.
ثم قال الشيخ جاد الحق في “ص 3712” ونخلص إلى أنه يجوز اضطرارًا أكل لحم إنسان ميت في قول فقهاء الشافعية والزيدية، وقول في مذهب المالكية ومذهب الحنابلة ، ويجوز أيضًا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق ذكرها.
والذي نختاره هو قول الحنفية والظاهرية وبعض فقهاء المالكية والحنابلة القائلين بعدم جواز أكل لحم الآدمي الميت عند الضرورة لكرامته، والضروري هي دفْع الهلاك وحفظ الحياة.