بداية علينا أن نرشد أولياء الأمور أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان توجيهه لأهل المرأة أنه “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” رواه الترمذي وابن ماجه، وفي هذا دليل على استحباب تزويج صاحب الدين والخلق، وإن كان قليل المال أو الجمال أو الحسب.

على المرأة وأوليائها أن يوطنوا أنفسهم على قبول صاحب الدين والخلق مهما كان ماله أو جماله أو حسبه.ومن أكبر العوائق التي تعرقل الزواج في العصر الحديث غلاء المهور، حيث ارتفعت المهور بصورة جعلت الشباب يعرض عن الزواج، وأيضا كثرة الأعباء المالية التي تلقى على عاتق الرجل، حيث يطلب منه أهل الفتاة أشياء كثيرة أغلبها من الكماليات وهو ما يتسبب في إرهاق الرجل ومن ثم هروبه .

ومما لا شك فيه أن كل شيء في هذا الكون مكتوب عند الله، حيث يقول تعالى موضحا هذه الحقيقة لعباده في كتابه الكريم : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير}. (سورة الحديد: 22).
وهذا العلم من الله يستوعب كل الأشياء، والإحصاء الدقيق، والتسجيل الشامل للأشياء والأحداث قبل وقوعها، وهذا القدر فيه كل شيء يمر به الإنسان في حياته رزقه.. زواجه.. تعليمه.. أين يسافر؟ ومتى؟ ومن يقابل؟ ، إلخ من الأشياء التي يمر بها الإنسان في هذه الدنيا ، والذي قدره الله على عباده لا محالة كائن وواقع، والدعاء والإخلاص فيه من الأشياء التي يغير الله بها القدر يقول تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).

فقدر الله أمران :
1- أمر يجوز أن يغير وأن يبدل، وهذا الذي ينفع فيه الدعاء.

2 – وقدر لا يغير و لا يبدل، فإن كان ما قدره الله مما يغير فإن الدعاء ينفع فيه.

وفي جميع الأحوال على الإنسان أن يأخذ بالدعاء ويجتهد فيه لأن القدر أمر مغيب مستور عنا، فهو لا يعلم الذي هو فيه من القدر الذي يغير أو لا ، فعلى هذا ليس له إلا الدعاء . من هذا تعلمي أيتها المسلمة أن زواج الرجل بالمرأة مقدر ومكتوب من الأزل لأن كل شيء عند الله مقيد ومكتوب.

وإذا كنت تخشين من السحر، فالسحر أيتها المسلمة حقيقة واقعة، ولكنه ليس السبب الوحيد لهروب الخطَّاب، وهناك بعض هذه الأسباب ومن أهمها المشاكل الاقتصادية، ومع هذا فهو مؤثر، ولكن بإذن الله تعالى وحده، وبقدره، والسحر لا يعدو أن يكون داء، وما من داء إلا له دواء، ولا مانع أن يصاب به من يحافظ على الصلاة وقراءة القرآن، فقد أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم لما سحره اليهود، ولكن كان أثره ضعيفا جدا، وسرعان ما تم علاجه بالقرآن، بقراءة المعوذتين، كما ورد في البخاري .

نعم يؤثر السحر في قرار الفتاة المخطوبة، بل وفي قرار أهلها أحيانا، وقد يؤثر في الخاطب أيضا ويؤثر في قراره، وقد يعمل السحر بقصد تعطيل الزواج عن طريق رفض كل من يتقدم للخطبة خاصة بعد القبول في بادئ الأمر ثم الرفض المفاجئ غير المبرر . وقد قال الله تعالى في الحديث عن السحر :( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله).

وأفضل الحلول لعلاج مشكلة السحر إن كانت واقعة حقا أو متوهمة هو اللجوء إلى الله تعالى، وقد جعل الله القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، قال تعالى: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).

وهناك وسائل شرعية وتدابير وقائية يقوم بها من خاف السحر، وهي لا تختلف كثيرا عمن أصيب بالسحر، وخير ما يتحصن به المرء في هذه الدنيا هو أن يستعيذ بالله تعالى، ويكثر من قراءة القرآن الكريم، وقد صدق الله حين قال: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } .

فعليك أيتها المسلمة بالوسائل الشرعية للوقاية من السحر . واحذري من استخدام المنجمين لحل أزمة الزواج .

وفي خضم هذا كله عليك أن تعلمي أن معنى العبودية لله أن يرضى المسلم بقضاء الله، وأن يرضى بمجريات القدر، وأن يلجأ إلى الله بالدعاء، وليعلم أن أمر المؤمن كله خير، وأن الزواج رزق من الله، و من يتوكل على الله فهو حسبه ويرزقه من حيث لا يحتسب .

فما أفضل اللجوء إلى الله وما أحوج المهمومين والمكروبين أن يتضرعوا إلى الله عز وجل، وعليك بالأدعية التي ترفع الغم عن المسلم، ومنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله:
( اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك … ) ، والمرأة تقول : ( اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلفك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي ).

ولا تنسي أن تترفقي بمن أتاك للزواج وأن تعينيه على أمره، واعلمي أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف المهور والتيسير على من أراد الزواج، وقد زوَّج الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا من الصحابة على خاتم من حديد، كما زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقيرا بما معه من القرآن.

و تزوج رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على نعلين فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه ففي سنن ابن ماجة أن رجلا من بني فزارة تزوج، على نعلين. فأجاز النَّبِيّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم نكاحه.

إن مسألة السحر والزواج أخذت حيزا كبيرا من حياة المسلمين، وحسب تقديرينا فأن علاج هذه المشكلة يكمن في العقيدة الصحيحة، وأن يرد الأمر إلى نصابه؛ فالله تعالى هو المتصرف الوحيد في هذا الكون، وأنه لا يحدث في كونه شيء إلا بعلمه، وأن المخلوقات جميعا لا تملك لنفسها شيئا؛ فالناس لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، وقد قال الله تعالى على لسان رسوله “قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا”.

لا يستطيع أحد أن ينكر السحر، لأنه حقيقة أثبتها القرآن الكريم “إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى”، “وسحروا أعينهم”، “وجاءوا بسحر عظيم”، “يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى”، “واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله”.

غير أن كثيرا من الناس أوصلوا السحرة إلى درجة تقارب درجة الألوهية، ونسوا أن السحر قرين الكفر، وأنه لا يضر إنسانا إلا بإذن الله، وأن السحرة لا يملكون من الأمر شيئا، وأن الإنسان المسلم محفوظ بحفظ الله تعالى، كما قال سبحانه: “له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله”.

وقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن من قرأ آية الكرسي قبل أن ينام ما زال عليه حافظ من الله حتى يستيقظ.

ولكن الناس ألهوا أنفسهم بهذه الأمور، حتى فسروا ما يزيد على تسعين بالمائة من مشاكلهم على أنها نوع من السحر، وأن المرأة لا تتزوج، لأنها مسحورة، وأن الرجل لا يتزوج لأنه مسحور، وأن الإنسان لا يعمل لأنه مسحور، وأن الطالب رسب، لأنه مسحور، وأن الصفقات لا تتم لأن هناك سحرا، فجعلنا أنفسنا نعيش سحرا في سحر، وهذا نوع من الخبل والخلل في العقيدة؛ لأن المصرف للأمور إنما هو الله تعالى، وأن الملك الذي نعيش فيه إنما هو ملك الله، وأن الكل خلقه وعبيده.

إن كثيرا من الناس يلجأ لهذا التفسير السحري كنوع من الهروب من الواقع، أو لأنه يجد نفسا عاجزا عن تحقيق شيء فيوهم نفسه وغيره أنه مسحور، وأنه مغلوب على أمره، وهو بهذا يلغي قانون السببية الذي أقام الله تعالى كثيرا من أمور الكون عليه، وأن الله تعالى في قرآنه كان دائم الربط بين النتيجة والسبب، مع الإشارة أنه لا يخفى عليه شيء.

إن كثيرا من غير المسلمين يعيشون حياتهم كما يجب أن يعيش بنو آدم، يجعلون النجاح قرين الاجتهاد والعمل، ويجعلون الفشل قرين الفشل، وهم بهذا يطبقون عقيدة الإسلام دون أن يؤمنوا بها، ونحن نؤمن بها دون أن نطبقها.

أيتها المسلمة:

اعلمي أن الرزق والزواج من الله، وهذا كلام نقوله، ولكن يجب أن نؤمن به في نفوسنا، ولو كنا نعود لدستورنا وكلام ربنا، لما وقعنا فيما نقع فيه، فالله تعالى يقول : “أمًن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه؟ بل لجو في عتو ونفور”. وقوله تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين”.

وننصح كل إمرأة مسلمة وكل فتاة بالآتي:

1- تصحيح العقيدة، وسلامة الإيمان، من أن المدبر للكون إنما هو الله، وليس خلقا من خلقه.

2- أن نخرج أنفسنا من هذا الوهم، وأن نعيش حياتنا كما يعيش غيرنا، فلماذا نعيش دائما في تعاسة ونكد وهم وحزن، والناس تتسابق أن تعيش حياتها سعيدة، وهي تفعل دورها في الحياة لتسعد أنفسها، ومع كوننا عندنا ما يسعدنا في حياتنا وآخرتنا، ولكن نرقع دنيانا بتمزيق ديننا، فلا الدين يبقى ولا ما نرقع.

3- أن نكون إيجابيين في حياة، وأن نواجه مشاكلنا، فمن هذا الذي ليس عنده مشاكل، إن أي سلوك بشري يعتريه ضعف، كما يكون فيه القوة، وهذه طبيعة الحياة، وليس فشل زواج، أو رسوب في الدراسة نهاية العالم، ولكن يجب أن نواجه هذا بالاستعانة بالله، وبالتفكير الجيد، والتخطيط للمستقبل، وكيف نتغلب على هذا فيما بعد.

4-أن نحسن صلتنا بالله تعالى، فكم من الأمور العسيرة تيسرت بأمره، وكم من الهموم زالت بدعاء له، وكم من الأحزان قلبت فرحا حين تعلقنا به، فالإيمان يجعل المسلم كالجبل الراسخ، والنخلة الباسقة، والشجر الطيب، لا أن يكون خفيفا تهوي به الريح في مكان سحيق.

5-أن نفهم توحيد الله على الوجه الصحيح، وأن نفهمه غيرنا، وأن نحارب معا هذا الخلل العقدي، والجهل الفكري، لأننا في سفينة واحدة، إن سكت بعضنا عن هذا الخلل، نكاد نغرق جميعا، وإن أخذنا بأيدنا نجونا جمعيا .

6- إن كان هناك سحر، فليس له علاج أنجع من التذلل على عتبات الله، والتزام الخوف من الله لا من الجن ولا غيره، والإيمان أن خلق الله ضعيف، وأن القوة لله جميعا، وأن تعمير القلب بالإيمان يجعله حصنا منيعا لا يكاد يقربه شيء يهدده، وأنه ما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه .