قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ِببَا بِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ ِفتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الِلهِ…) (البقرة : 102).

جاء في كتب التفسير أنهما ملكانِ هَبَطَا إلى الأرض وفُتنا، فَعاقبَهما الله بتعليقهما من أرجلهما، وكلام المفسرين ـ على جلالةِ قدْرهم ـ ليس حُجَّةً في هذا المقام ، فهو منقول عن تراث البابليين وشروح اليهود وكتب النصارى، وأقرب الأقوال عنهما أن الناس كانوا قد فُتِنُوا بالسحرة حتى رفعوهم إلى مقام الأنبياء، فأنزل الله ملكينِ يُعلمانِ الناسَ السحرَ، لِيفرقوا بينه وبين النبوة، ويُحذروهم من الفتنة به وبهما. أو أنهما شخصانِ كانا يَتمعتانِ بمنزلةٍ كبيرةٍ في العلم والسلوك، فُتِنَ الناس بهما، فأطلقوا عليهما اسمَ الملكين، من باب التشبيه والمجاز، وهو إطلاقٌ معروفٌ قديما وحديثا، حيث يُطلق الآنَ على الشخص الممتاز اسم “مَلاَكٍ”، وفي الأساطيرِ البابليةِ شخصانِ بِاسْمينِ مُقارِبينِ لِهاروتَ وماروتَ، أُعجب الناس بهما فأطلقوا عليهما اسم ملكينِ، بَلْ زاد الإعجاب بهما فاعتقدوا أنهما من الآلهة، وقد أَقبلَ اليهود على تَعَلُّمِ ما تَرَكَاهُ من حكمةٍ وسحرٍ، وشُغِلُوا به عن كتاب الله الذي نَبَذُوهُ وراء ظهورِهم.

ولا يَجُوزُ أنْ نَلتفتَ إلى ما يُقالُ عن الملائكة مما يَتنافى مع عِصْمَتِهِمْ، فهم لا يَعصُونَ الله ما أمرهم ويَفعلون ما يؤمرون، قال تعالى: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . َلا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء : 26ـ27) وقال: (َلا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وََلا يَسْتَحْسِرُونَ . يُسَبِّحُونَ الَّليْلَ وَالنَّهَارَ َلا يَفْتَرُونَ) (الأنبياء : 19ـ20).

والله تعالى أعلم.