لم يحرم النبي صلى الله عليه وسلم الزواج من ابن الزنا؛ لأن ابن الزنا لم يقترف ذنبا حتى يعاقب به؛ وإنما اقترف الذنب أبواه؛ وكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد:
وردت أحاديث في ذمّ ولد الزنا ، ولكن أكثر هذه الأحاديث ضعيف لا يصح ، وقد روى أبو داود في سننه ( 4 / 39 ) وأحمد في المسند ( 2 / 311 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “ولد الزنى شر الثلاثة” يعني أكثر شرا من والديه وممن حسنه ابن القيم في المنار المنيف ( 133 ) والألباني في السلسلة الصحيحة ( 672(
وقد وجَّه العلماء الحديث بعدة توجيهات أشهرها :
ما قاله سفيان الثوري : بأنه شرّ الثلاثة إذا عمل بعمل والديه .
وقد روي ذلك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : :” هو أشر الثلاثة إذا عمل بعمل والديه . يعني ولد الزنا” وإن كان إسناده ضعيفا فقد حمله على هذا المعنى بعض السلف كما تقدم .
ويؤيد هذا التفسير ما رواه الحاكم ( 4 / 100 ) ـ بسند قال عنه الألباني : ” يمكن تحسينه” ـ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم” ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء .( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى( (سورة الزمر : 7)
وبعض العلماء قال : إن هذا الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر؛ لأنهم يتخلقون من نطف خبيثة، والنطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب . فإن خرج من هذه النطفة نفس طيبة دخلت الجنة ، وكان الحديث من العام المخصوص .

ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَوَلَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , وَإِلا جُوزِيَ بِعَمَلِهِ كَمَا يُجَازَى غَيْرُهُ , وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ لا عَلَى النَّسَبِ . وَإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا , لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا . كَمَا تُحْمَدُ الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ , فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ , وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . الفتاوى الكبرى( 5/83 ) .

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ـ المملكة العربية السعودية :
” ابن الزنا إذا مات على الإسلام يدخل الجنة ، ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك لأنه ليس من عمله ، وإنما من عمل غيره . وقد قال تعالى : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (سورة الزمر : 7) ولعموم قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )(الطور: 21(  وما جاء في معنى ذلك من الآيات ، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لا يدخل الجنَّة ولد زنية ” فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكره الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم . وبالله التوفيق .أ.هـ

وأما ما يتعلق بحكم الزواج من ابن الزنا فلم ينص أحد من الفقهاء المعتبرين على تحريمه ، وإنما وقع الاختلاف عند الحنابلة في مدى كفاءته لذات النسب فمنهم من رأى أنه كفء لها ، ومنهم من لم ير ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ،ويتعدى ذلك إلى ولدها .
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله  عن رجل زوج ابنته على شخص تبين أنه ولد زنا فما الحكم ؟ فأجاب سماحته :
” إذا كان مسلما فالنكاح صحيح ، لأنه ليس عليه من ذنب أمه ، ومن زنا بها شيء . لقول الله سبحانه : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . ولأنه لا عار عليه من عملهما إذا استقام على دين الله وتخلق بالأخلاق الحسنة لقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس قال : أتقاهم .. وقال عليه الصلاة والسلام : ” من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه” .. “