المقام مقام نصيحة ، والنصيحة هنا واجبة ، وقول الحق هنا واجب أغضب من أغضب ، والله عز وجل يقول : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) [النساء/135].

فإذا كان الخاطب قد أقلع وتاب عن الموبقات التي كان يفعلها، فلا تذكر عنها شيئا ، ويدخل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).

وإذا كان الخاطب لا يزال على ما هو عليه من الموبقات،فالواجب إخبار الفتاة بذلك نصيحة لله تعالى، ولا يجوز إخبارها بالتخمينات والتحليلات والأحاسيس، ولكن يجب الاقتصار على ما رأي بالعين فقط، وسمع بالأذن، وما وراء ذلك فلا.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-

من استشير في خاطب أو مخطوبة فعليه أن يذكر ما فيه من مساوئ شرعية أو عرفية ولا يكون غيبة محرمة إذا قصد به النصيحة والتحذير لا الإيذاء ، { لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها لما أخبرته أن معاوية وأبا جهم رضي الله عنهما خطباها : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له } ولقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه } ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المستشار مؤتمن } وقال : { الدين النصيحة } ، وقد روى الحاكم أن أخا لبلال رضي الله عنه خطب امرأة فقالوا : إن يحضر بلال زوجناك ، فحضر ، فقال : أنا بلال وهذا أخي ، وهو امرؤ سيئ الخلق والدين . قال الحاكم : صحيح الإسناد . ومن استشير في أمر نفسه في النكاح بينه ، كقوله : عندي شح ، وخلقي شديد ونحوهما ، لعموم ما سبق .

وفصل بعض الفقهاء في ذلك ، ومنه قول البارزي – من الشافعية – لو استشير في أمر نفسه في النكاح ، فإن كان فيه ما يثبت الخيار فيه وجب ذكره ، وإن كان فيه ما يقلل الرغبة فيه ولا يثبت الخيار ، كسوء الخلق والشح ، استحب ، وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه . نعم.انتهى.

وجاء في شرح البهجة( الغرر البهية) من كتب الشافعية:-

وجب ذكر القبح الكائن من خاطب أو نحوه للمستشير فيه بالصدق ليحذر بذلا للنصيحة { ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها لما أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة بن زيد } رواه مسلم.

وفي رواية للحاكم { وأما أبو جهم فإني أخاف عليك من شقاشقه } ولقوله { إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه } ذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم.

وصح في خبر { جرير بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم } .

وليس ذلك من الغيبة المحرمة. نعم إن اندفع بمجرد قوله: لا تفعل هذا أو لا تصلح لك مصاهرته أو لا خير لك فيه أو نحوه لم يجز ذكر عيوبه.

قاله النووي في أذكاره، وقياسه أنه إذا اندفع بذكر البعض لا يذكر الجميع، ويؤخذ من الأدلة أنه لو استشير في نفسه وجب عليه ذكر عيوبه وهو ظاهر إن لم يندفع مستشيره بدون ذكرها .انتهى.

ثم عرض المصنف لقضية : هل يجب البيان في حالة السؤال فقط، أم يجب البيان دون سؤال فقال:-

وجوب ذلك بالاستشارة جرى على الغالب وإلا فالظاهر ما اقتضاه كلام ابن الصلاح وجوبه ابتداء، وهو قياس وجوبه على من يعلم بالمبيع عيبا، وما فرق به بعضهم من أن الأعراض أشد حرمة من الأموال رده الأذرعي بأن النصيحة هنا آكد وأوجب.