(التمسوا الرزق بالنكاح). هذا الحديث ضعيف ” أخرجه الديلمي من حديث ابن عباس، ولكن معناه صحيح ، وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة بهذا المعنى، غير أن هذا لا يعتبر سنة ثابتة فقد يتزوج المرء ولا يرزق، وقد يرزق دون أن يتزوج، والرزق له أسباب أخرى غير الزواج على المسلم أن يسعى في تحصيلها، ولكن هذا الحديث وما في معناه يقال لمن يخشى على نفسه من الفقر بسبب الزواج، ولا يقال لكل فقير يتزوج ثم يعدد الزوجات وهو غير قادر على نفقته، فقد يكون الزواج لغير القادر الذي سيظلم زوجته حرام .
قال الإمام العجلوني في كشف الخفاء :
هذا الحديث رواه الثعلبي في تفسيره والديلمي بسند فيه لين عن ابن عباس رفعه .
لكن له شاهد أخرجه البزار والدارقطني في العلل والحاكم وابن مردويه عن عائشة مرفوعا: تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال، وقال الدار قطني والبزار : يرويه سَلْم بن جُنادة مرسلا. قال في المقاصد : وهو كما قالا .
وروى الثعلبي أيضا عن ابن عُجلان أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة والفقر، فقال “عليك بالباءة

وروى عبد الرزاق عن عمر أنه قال: عجبت لرجل لا يطلب الغنى بالباءة، والله تعالى يقول في كتابه: (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .النور : 32
وقال القفَّال في محاسن الشريعة: قد وعد الله على النكاح الغنى فقال (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .النور : 32
وفي معناه ما في صحيحي ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا: “ثلاثة حق على الله أن يغنيهم”، وفي لفظ “عونهم”: “المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف”، وفي لفظ: “والناكح ليستعفف ”
ولابن منيع عن أبي هريرة رفعه: “حق على الله عون من نكح يريد العفاف عما حرم الله”
وروى الديلمي عن أبي أمامة وجابر: “ثلاثة حق واجب على الله أن يؤدى عنهم”، وذكر منهم “متزوج ليستعف ”
وروى الحارث بن أبي الصامت في مسنده عن ابن عمر ورفعه: ” ثلاثة من اِدّانَ فيهن ثم مات ولم يقض، قضى الله عنه” وذكر “ورجل يخاف على نفسه العنت في العزوبة، فاستعَفّ بدَيْنٍ .
قال في التمييز: قلت والذي يدور على ألسنة العوّام معناه، وهو قولهم “تزوّجوا فقراء يغنكم الله”. انتهى .

قال الإمام المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث :
أي بالنكاح أي : بالتزوج ؛ فإنه جالب للبركة جارّ للرزق ؛ موسع إذا صلحت النية .
قال الزمخشري: والرزق الحظ والنصيب مطعوماً أو مالاً أو علماً أو ولداً أو غيرها. قال في الإتحاف: خبر تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال يدل على ندب التزويج للفقير، ومذهب الشافعي رضي اللّه تعالى عنه ندبه قدرته على المؤنة . أهـ
فالنكاح جالب للبركة ، وفي خبر آخر: “تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال” أي: بما يرزق الله بسببهن هذا إذا خلصت النية في هذا العمل لله، وهذا أمر مجرب مشاهد بالعيان ، ويصدق هذا الحديث قول الله تعالى في محكم تنزيله: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله “.

وقد روى السيوطي في الدر المنثور أن الخطيب أخرج في تاريخه عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة فأمره أن يتزوج .
وقال ابن كثير في تفسيره :
قال ابن عباس: رغبهم اللّه في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى، فقال: {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله}، وقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه: أطيعوا اللّه فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى، قال تعالى: (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ }، وعن ابن مسعود التمسوا الغنى في النكاح، يقول اللّه تعالى: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) .