الخمار أمر الله تعالى للمرأة، وعلى المرأة المسلمة أن تستجيب إلى أمر الله تعالى، فذلك من علامات الإيمان الصادق، وقد تضافرت الآيات والأحاديث من القرآن والسنة على ذلك ، وفرض الله تعالى الحجاب على المرأة من باب حفظها وصونها وحمايتها من مرضى النفوس والقلوب، من أن تزيغ أبصارهم إلى مفاتن المرأة بتبرجها وعدم ارتدائها حجابها، كما أن الحجاب سبيل لصون الأعراض وحماية البيوت .
يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي من علماء الأزهر ـ رحمه الله ـ:
إن من اختار الدين، فعليه أن يقبل أحكام هذا الدين، حتى ولو كانت هذه الأحكام تقيد حريته في افعل و لا تفعل، لأن تقييد الحرية هنا، هو لخير الإنسان و ليس شراً له…
إن هذه الأحكام جاءت من الله سبحانه وتعالى و هو أعلم بنا من أنفسنا، فإذا كانت تقيد حركتنا، فهي تعطينا الخير، وتذهب عنا السوء، فلا يوجد دين بلا منهج، إلا أن يحاول الإنسان أن يرضى غريزة التدين فيه، وفي نفس الوقت يفعل ما يشاء ، فيعبد الأصنام أو الشمس، أو غير ذلك مما لا يقيده بمنهج في الحياة، فيخلص نفسه من تعاليم الله ليفعل ما يشاء، و في هذه الحالة يكون قد كفر- و العياذ بالله – لأنه لا يريد منهجاً سماوياً يقيد حريته.
و المرأة التي تتضرر من الحجاب بزعم أنه يقيد من حريتها بستر ما أمر الله من مفاتنها، فعليها ألا تعترض على منح هذه الحرية لغيرها، فإن أباحت لنفسها أن تتزين و تكشف عن مفاتنها، لتجذب إنساناً و تفتنه، فعليها ألا تعترض على قيام غيرها بكشف زينتها و مفاتنها لتجذب زوج هذه المرأة أو ابنها.
من أهداف ستر المرأة:
إن الله سبحانه و تعالى قد وضع من القواعد و الضوابط ما يمنع الفتنة للمرأة و الرجل حفاظاً لاستقرار الأسرة و أمنها و أمانها، و حرم أي شيء يمكن أن تكون فيه فتنة من امرأة لرجل غريب عنها، و لذلك حرم إبداء الزينة إلا لمحارم المرأة، حرمه الله تبارك و تعالى في قوله:
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور 31
و هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية هم من محارم المرأة التي لا تحرص على إبداء زينتها أمامهم، و حتى إذا فعلت فإن هذه الزينة لا تثير في نفوسهم أي شهوة، إما لأنهم لم يبلغوا السن التي يحسون فيه بالشهوة، و إما أنهم تعدوا هذه المرحلة تماماً، بل إن الله سبحانه و تعالى حرم على النساء أن يضربن بأرجلهن كنوع من التحايل لإظهار الزينة التي أخفتها الثياب، و ذلك بتعمد اهتزاز الجسم لتظهر مفاتنها، و قال الحق جل جلاله:
( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )
كل هذا قد فهمه البعض على أنه تقييد لحرية المرأة، و لكنه في الحقيقة حماية لها..
لو أن الله سبحانه و تعالى لم بفرض الحجاب، لكان على المرأة أن تطالب به، لأنه أكبر تأمين لها و لحياتها، ذلك أن نضارة المرأة موقوتة، و فترة جمالها- لو حسبناها- فلن تزيد عن خمسة عشر عامًا، ثم بعد ذلك تبدأ بالذبول…
خمار المرأة وحماية الأسرة:
إما أن يفتن بهذه الفتاة و يترك زوجته و يتزوجها، و إما أنه عندما يعود إلي بينه يلحظ الفرق الكبير بين امرأته و هذه الفتاة، فيزهد في زوجته، و يبدأ في الانصراف عنها…
لكن لو حجبت النساء مفاتنهن عن الرجال، لصارت كل منهن آمنة من فقدان زوجها، و من تغيير نفسه أمام زوجته، و لظلت محتفظة بحبه لها و إقباله عليها، لماذا ؟ لأن الجمال نمو، و النمو في المخلوقات و النبات و الحيوان و الإنسان لا يدركه المتتبع له، و لذلك تجد الرجل و له ولد ينظر إليه كل يوم، فلا يمكن أن يلحظ أنه يكبر، ولكنه إن غاب عنه شهراً، يتجمع نمو الشهر كله و هو بعيد عنه، و عندما يعود يحس بأنه قد كبر..
و الفلاح مثلاً لو جلس بجوار الزرع، لا يلحظ نموه و لا يراه، فإذا غاب عنه فترة لاحظ هذا النمو.
و الرجل مع زوجته كذلك، فهو عندما يتزوجها و هي عروس تكون في أبهى زينتها و نضارتها، و لكن لأنه يراها كل يوم، فإنه لا يلحظ فيها أي تغيير، و تكبر و تذهب نضارتها و جمالها من أمامه شيئًا فشيئًا، دون أن يلاحظ هذا الذبول، بل تظل في عينيه هي نفس العروس الجميلة التي زفت إليه..
و لكن إذا رأى امرأة غيرها، أصغر منها و لا تزال في قمة نضارتها، بدأت المقارنة و أحس بالتغيير، و أثر ذلك في نفسه..
و لذلك و نحن نرى أمهاتنا بعد أن كبرت و ملأت وجوههن التجاعيد، لا نشعر بهذا، بل نجد في أمهاتنا نضارة لا نشبع من النظر إليها.
فإذا كان الله سبحانه و تعالى قد حجب المرأة من أن تستلفت الأنظار إليها بالكشف عن زينتها، و هو قد حجب غيرها ممن هن أصغر و أجمل و أكثر نضارة من أن يستلفتن أنظار زوجها فيعرض عنها..
و العجيب أن المرأة لا تلتفت إلي هذه الحكمة، و هي أن الحجاب حماية لها و لزوجها و لبيتها، بل تأخذ المسألة على أساس من الحرية الجوفاء، ناسية أن هذا التقييد إنما شرع لحمايتها.
التمتع بالجمال في الكون:
و العقاب في الشرع في كل الحالات، لا يبدأ عند النزوع إلى عمل شيء، فأنت ترى وردة جميلة، فلك النظر إليها كما شئت فليس في ذلك إثم و لا حساب، و تمتع برائحتها كما شئت، فليس هناك إثم و لا حساب، إلا أن تمد يدك لتقطعها، حينئذ تكون قد اعتديت…
و أنت ترى فرسا جميلة، فلك النظر إليها كما شئت، و تمتع بالنظر إليها كما تريد، فلا إثم عليك، إلا أن تحاول أن تركبها دون إذن صاحبها، و هكذا كل ما في الدنيا من جمال، و الله سبحانه و تعالى يقول:
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) النحل 8
زينة لمن؟ لأصحابها فقط؟ الآية جاءت بالزينة على إطلاقها، و لهذا فهي زينة لصاحبها، و لمن أراد أن ينظر إليها و يتمتع بجمالها.
كل ما في الكون من جمال، للمرء أن ينظر إليه، فليس هذا محرمًا، إلا المرأة ، فالنظرة إليها محرمة، من المرأة للرجل، و من الرجل للمرأة، و النظر إليها و التأمل في جمالها من غير زوجها إثم، و كذلك الرجل بالنسبة للمرأة، نظر المرأة للرجل و تأملها في ملامح رجولته إثم، لذلك يقول الله سبحانه و تعالى في كتابه العزيز:
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور 30.
و قوله جل جلاله: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) النور 31 .