الإشباع الجنسي ليس هدفا ثانويا للزواج، بل هو أول أهدافه، وقد يتحرج البعض من هذه الحقيقة لكنها الحقيقة؛ فإن الملائكة فقط هم المفطورون على عدم وجود شهوات عندهم .
ولقد اعترف الفقهاء أنفسهم بهذه الحقيقة، وقد تبدى ذلك في تعريفهم للنكاح بأنه عقد استمتاع .
ولقد اتفق الفقهاء على وجوب إشباع كل طرف لصاحبه جنسيا في الجملة، وإن كانوا قد اختلفوا في تفصيل ذلك .

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: –
أحب أن أقول لبعض الإخوة الذين يهونون من هدف الإمتاع والإحصان، ويحقرون من شأن المرأة التي تتزوج لتستمتع بالرجل في الحلال، ولا تفكر في الحرام، ويعتبرون هذا انحطاطا بكرامة المرأة، ونزولا بقدرها، أحب أن أقول لهؤلاء كلمة صريحة :
إن هدف الإمتاع والإحصان ليس هدفا هينا، ولا مَهينا، كما تتَصَوَّرون وتُصَوِّرون. بل هو أول أهداف الزواج، ولهذا لا يجوز التنازل عنه في العقد، وفي الحديث الصحيح المعروف ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ”
وفي القرآن الكريم (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) البقرة: 187 بل عرف الفقهاء النكاح بأنه: عقد لحل التمتع بأنثى خالية من الموانع الشرعية. وإن كنت أرى أن التمتع للطرفين: الرجل والمرأة كليهما، كما أشارت الآية (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) .
فالعفة والإحصان قيمة كبيرة من قيمنا الإسلامية، وهي مما يميز مجتمعنا عن المجتمعات السائبة المتحللة، وحاجة الرجل إلى المرأة، وحاجة المرأة إلى الرجل: حاجة فطرية، ولا ينظر الإسلام إليها نظرة بعض الأديان الأخرى: أنها قذارة أو رجس، بل هي غريزة فطر الله الناس عليها، ولا بد من تسهيل الطرق الشرعية إليها، حتى لا يضطر النـاس إلى ركوب الحرام، ولا سيما في عصر فتحت فيه أبواب المحرمات على مصاريعها، وكثرت فيه المغريات بالمنكر، والمعوقات عن المعروف .
إن الإسلام لم يستنكف من الاستمتاع الجنسي، ولم يقلل من شأنه إذا كان حلالا، بل قال الرسول الكريم:” وفي بضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أليس إذا وضعها في حرام، كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر.انتهى .

وجاء في الموسوعة الطبية الفقهية للدكتور أحمد محمد كنعان (رئيس قسم الأمراض المعدية بإدارة الرعاية الصحية الأولية بالمنطقة الشرقية في السعودية:-

الرغبة بالجماع ميلٌ فطريٌّ عند الرجل والمرأة ، وللزوجين حقٌّ فيه فلا يجوز أن يمتنع أحدهما عن تمكين الآخر منه ، والأصل أن يُمارس الجماع برضا الطرفين ورغبتهما ، ولكن قد يحصل أحياناً أن يعتزل الزوج زوجته ، أو تتمنع الزوجة عن زوجها ، لأسباب شتى ، ولهذا وضع الفقهاء بعض الضوابط فيه :

فذهب الحنفية والشافعية إلى أن للزوجة حقاً في الجماع مرةً واحدةً يستقرُّ بها مهرُها ، هذا في القضاء ، وأما ديانة فلها الحق في كل أربعة أشهر مرة ، لأن الله تعالى جعل هذه المدة أجلاً لمن آلى من امرأته ، أيْ حَلَفَ ألا يُجامعها مدَّة مـن الزمن .

أما المالكية والحنابلة فقد ذهبوا إلى أنَّ الجماعَ واجبٌ على الزوج إذا لم يكن لـه عـذرٌ بالامتناع ، فإذا امتنع بلا عذر معتبَر قيل له : إمَّا وطئتَ وإما فارقت ! قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : وأرى أن يُقضى بذلك ، وظاهــر المذهـب أنــه يُضـرب له أجل الإيلاء ( أربعة أشهر ) فإن لم يعاود وطأها حقَّ لها الفسخ .

أما من الوجهة الطبية فإن الامتناع عن الجماع لفترات طويلة بين الزوجين يضعف رابطة الحب بينهما ، وقد يولد بعض الاضطرابات النفسية ، وقد تنعكس هذه الاضطرابات على البدن فتصيبه بالوهن ، وقد تضعف القوة الجنسية مع تطاول الزمن .

وقد أشار بعض العلماء إلى هذا فقالوا : ( ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثاً :

-ينبغي أن لا يدع المشيَ ، فإن احتاج إليه يوماً قَدَر عليه .

-وينبغي أن لا يدع الأكل فإن أمعاءه تضيق .

-وينبغي أن لا يدع الجماع فإن البئر إذا لم تُنْزَح ذهب ماؤها ..

وقال محمد بن زكريا : من ترك الجماعَ مدة طويلة ضعفت قوى أعصابه ، واستدَّ مجاريها وتقلَّص ذّكَرُه ، قال : ورأيتُ جماعة تركوه لنوع من التقشُّف فبردت أبدانُهم وعسُرت حركاتُهم ، ووقعت عليهم كآبةٌ بلا سبب ، وقلَّت شهواتُهم وهضمُهم ) .