هذه الأحاديث لم تصح نسبتها إلى رسول الله صلى عليه وسلم، بل هي دائرة بين الضعف والنكارة .

وعلى فرض صحتها فالمقصود بها نسبة هذه الأوصاف إلى البربر باعتبار دينهم لا باعتبار نوعهم. أي المقصود ذمهم لما كانوا عليه من الكفر قبل الإسلام. أما من أسلم منهم وحسن إسلامه فيحكمه ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم بالجاهلية خيارهم بالإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).

ولا ننسى أن عكرمة مولى عبد اللّه بن عباس أصله من البربر، وهو أحد فقهاء مكة وتابعيها، سمع ابن عباس وغيره من الصحابة، وروى عنه خلق كثير، مات سنة سبع ومائة، وله ثمانون سنة.

وهب لابن عباس فاجتهد في تعليمه، ورحل إلى مصر، وخراسان، واليمن، وأصبهان، والمغرب، وغيرها. وكانت الأمراء تكرمه، وأذن له مولاه بالفتوى، وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحداً أعلم منك؟، فقال: عكرمة.

وأبو عمران الفاس موسى بن عيسى بن أبى حاج  البربري الغفجومي نسبة إلى غفجوم بطن من زناتة قبيلة من البربر بالمغرب شيخ المالكية بالقيروان، وتلميذ أبى الحسن القابسي دخل الاندلس وأخذ عن عبد الوارث ابن سفيان وطائفة، وحج مرات، وأخذ علم الكلام ببغداد عن ابن الباقلاني قرأ على الحمامي وكان اماما في القراءات بصيرا بالحديث رأسا في الفقه تخرج به خلق في المذهب ومات في شهر رمضان وله اثنتان وستون سنة.انتهى من شذرات الذهب.

والدليل على أن المقصود ذم دينهم ما قاله الإمام ابن الجوزي معلقا على ما جاء في مسند أحمد  من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخرج صدقة فلم يجد إلا بربريا فليردها).

قال ابن الجوزي: كان البربر إذ ذاك كفارا.

وقد أشار ابن خلدون إلى حياتهم فهم يسكنون فى بيوت من الحجارة أو الطين أو الشعر ، ويشتغل بعضهم بالرعي وآخرون بالزراعة وقد جبلوا على كثير من الفضائل الإنسانية منها حماية الجار ورعي الأذمة والوفاء بالقول والصبر على المكاره والثبات في الشدائد ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وقرى الضيف وعلو الهمة وإباء الضيم.

وقد دخلوا في دين الله أفواجاً مع الفتح الإسلامي وأبلوا بلاءً حسناً في نصرة الدين الإسلامي من الفتح إلى وقتنا هذا .

يقول الشيخ الألباني– رحمه الله- في السلسة الضعيفة (7 /389):عند التعليق على حديث : ”

( البربري لا يجاوز إيمانه تراقيه ) . منكر

رواه أبو بكر المقرىء الأصبهاني في “الفوائد” (13/ 176/ 2) عن الحسين بن الحكم الحيري : حدثنا إسماعيل – يعني : ابن صبيح – عن خالد – يعني : ابن عجلان – عن إياس بن معاوية بن قرة قال : قال أبو هريرة : …فذكره مرفوعاً .

قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ خالد بن عجلان والحسين بن الحكم الحيري لم أجد من ترجمهما .

ثم هو منقطع ؛ فإن إياس بن معاوية بن قرة ، لم يذكروا له رواية عن الصحابة سوى أنس بن مالك ، ومع ذلك قال ابن حبان : “إن صح سماعه منه” .

وله طريق أخرى ؛ يرويه عبدالله بن نافع قال : حدثني ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال :

جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من أين أنت ؟” ، قال : بربري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “قم عني” ، قال بمرفقه كذا ، فلما قام عنه أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : “إن الإيمان لا يجاوز حناجرهم” .أخرجه أحمد (2/ 367) .

قلت : وهذا إسناد ضعيف ، عبدالله بن نافع – وهو ابن أبي نافع الصائغ المخزومي مولاهم أبو محمد المدني – قال الحافظ : “ثقة ، صحيح الكتاب ، في حفظه لين” .

وأما قول الهيثمي في “المجمع” (4/ 234) : “رواه أحمد وفيه عبدالله بن نافع وهو متروك . وقال ابن معين : يكتب حديثه . وصالح مولى التوأمة قد اختلط” .

قلت : ابن نافع الصائغ لا أعلم أحداً تركه ، فالظاهر أن الهيثمي ظن أنه عبدالله بن نافع مولى ابن عمر . فقد تركه غير واحد ، ولكن ليس هو صاحب هذا الحديث ، بل هو الصائغ كما ذكرنا .

وصالح مولى التوأمة قد قال غير واحد : إن ابن أبي ذئب سمع منه قبل اختلاطه . لكن قال أحمد : “سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيراً ، وروى عنه منكراً” .