معرفة جنس إبليس متوقِّفة على الخِلاف في كونه من الملائكة أو لا، وهو قبل معصيته لأمر الله لا يُعرف حاله بطريق ثابت، وكلُّ ما قيل في ذلك منسوب إلى بعض الصحابة .

أما بعد الإخبار عن معصيته ففي معرفة جنسه رأيان:

الرأي الأول : أنه من الملائكة، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة منها :
أ ـ ظاهر الاستثناء في قوله تعالى ( فسَجَدُوا إلا إبْليسَ ) وهو استثناء مفصَّل يدل على أنه من الملائكة .
ب ـ أنه لو لم يكن من الملائكة ما كان أمر الله لهم بالسجود متناوِلاً له، ولو لم يكن متناولاً له استحال أن يكون ترْكه للسُّجود إباءً معصيةً، ولَمَا استحقَّ العذاب، وحيث حصل ذلك علمنا أن الخطاب بالسُّجود يتناوله، فهو من الملائكة .

والرأي الثاني: أنه ليس من الملائكة، واستدلَّ أصحاب هذا الرأي بأدلة منها :
ا ـ قوله تعالى ( فسَجَدُوا إلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ ) ( سورة الكهف : 50 ) .
ب ـ أن الملائكة معصومون من العِصْيان لقوله تعالى ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( سورة التحريم : 6 )، وإبليسُ عصَى واستكْبر عن السُّجود فهو ليس من الملائكة .

وأدلَّة الطَّرفين مُحْتَمِلة، ومناقَشَة وبيان ذلك باختصار:
1 ـ أن الاستثناء قد يكون منْقَطِعًا فالمُسْتَثْنى إبليس وليْس من جنس المُستثْنى منه وهم الملائكة .

2 ـ أن الأمر بالسُّجود أصْلاً هو للملائكة، وإبليس مُلصَق بهم لكثرة عبادته، فلا يُوجَّه إليه أمر خاص ؛ لأنَّ الأمْر العام يكون للكثْرَة الغَالِبَة .

3 ـ كون إبْليس من الجنِّ قد يُراد به أنَّه من العالم المستتِر، والملائكة من العالم المُستتِر أيضًا، قال تعالى ( وجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِنَّة نَسَبًا ) ( سورة الصافات : 158 ) حيثُ قال الكُفَّار : الملائكة بناتُ الله .

والدَّلِيل الذِي جِيء به لإثْبات أنَّه ليْس مِنَ الملائكة أنَّهم مَعْصُومُون، وخَطَأُ إبْلِيس دَلِيل قوي ، وإن الثابت أن الجن منهم مؤمنون ومنهم كافرون، الآيات في ذلك كثيرة وليس في الملائكة كافرون .

ومن أجل أن نغلب أدلَّة الطَّرفين مناقشة فلا يمكن القطع برأي في الموضوع، ولهذا قيل : إن إبليس ليس من الملائكة ولا من الجن بل هو خلْق مُفْرد من نار، وإبليس يُطلق عليه الشَّيطان ؛ لأنَّ الشياطين هم شِرَار الجن . فإنَّ منهم أخْيارًا، كما يُطلق لفْظ الشَّيطان على من تمرَّد من الإنس والجن والدواب .