نَصَّ القرآن الكريم على أنَّ أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ِلأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ ُمبِينٍ) (الأنعام : 74) وَنَصَّ على أنه مات كافرًا على الرغم من وَعْدِ إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ ِلأَبِيهِ إَِّلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (التوبة : 114).

وقيل: إن آزرَ عَمُّ إبراهيم وليس والدًا له ، والعم يُطلق عليه اسم الأب، كما في قوله تعالى عن يعقوب: (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) (البقرة : 133) مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عَمُّهُ، والذي حمل هؤلاء على القول بأن آزر عمُّ إبراهيم وليس والده هو تشريفُ مقامِ النبوة أن يكون أحد آباء الأنبياء كافرًا، مُستندين في ذلك إلى قول الله للنبي ـ صلى الله عليه وسلم: (وَتَقَلُّبُكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء: 219) وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: “لم أَزَلْ أُنْقَلُ من أصلابِ الطاهرينَ إلى أرحام الطاهرات” رواه أبو نعيم عن ابن عباس، وقال ابن عباس في المراد بالساجدين “من نبيٍّ إلى نبيٍّ” كما رواه أبو نعيم في الدلائل بسند صحيح والطبراني برجال ثِقَاتٍ.

فقال هؤلاء : إن الكفر نجس لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة : 28) فكيف يُنقل الرسول من أصلاب الطاهرين وآزر أبو إبراهيم نَجِسٌ؟ وكيف يكون تَقلبه في الساجدين وآزر ليس منهم؟
وَرُدَّ على ذلك: بأن إرادة العم من الأب عُدُولٌ عن الظاهر بلا مُقْتَضٍ، والنصوص المذكورة في الطهارة والسجود لا تَقتضي هذا العدول، لأن آية : (وَتَقَلُّبُكَ فِي السَّاجِدِينَ) ليست نَصًّا فيما فَسَّرَهَا به ابن عباس، فقد فُسِّرتْ بغير ذلك، فقد جاء عنه أيضًا أن المعنىـ يراك قائما وراكعًا وساجدًا؛ لأن قبل ذلك “الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ” وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أولاً لم يصل إلى الدرجة التي يُعتمد عليها في العقائد، وثانيًا فُسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعًا “لم يلتقِِ اَبَوَايَ قَطُّ عَلَى سِفَاحٍ، لم يزلْ يَنقلني مِنَ الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفًّى مهذبًا” وكما رواه الطبراني عن علي مرفوعًا” “خرجتُ من نكاحٍ ولم أخرجْ من سفاحٍ مِنْ لَدُنْ آدمَ إلى أنْ وَلَدَنِي أبي وأمي لم يُصِبْنِي من نكاح الجاهلية شيءٌ”.

هذا، ولا يَضير أن يكون في أنساب الأنبياء كافرون فكل امرئ بما كسب رَهِينٌ، وقصة آزر ونسب النبي ليست عقيدةً نُحاسبُ عليها، وهي متصلةٌ بقوم مَضَوا إلى ربهم وهو أعلم بهم.