أثار القرطبي في تفسيره ” ج8 ص210 ” هذه المسألة فقال : العهد والطَّلاق وكل حكم ينفرِد به المرء ولا يفتقِر إلى غيره فيه فإنّه يلزَمه ما يلتزمُه بقَصدِه وإن لم يلفظ به، قاله علماؤنا ـ أي المالكيّة ـ وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يلزَم أحدًا حكم إلا بعد أنْ يَلفظ به، وهو القول الآخر لعلمائنا. قال ابن العربي ـ المالكي ـ والدليل على صحّة ما ذَهَبْنا إليه ما رواه أشهب عن مالك ـ وقد سُئِلَ: إذا نَوى الرجل الطَّلاق بقلبه. قال ابن العربي : وهذا أصل بَديع، وتحريره أنْ يُقال: عقد لا يفتقِر فيه المرء إلى غيره في التزامِه فانعَقد عليه بِنِيّة، أصله الإيمان والكفر .
قلت ـ أي القرطبي ـ وحُجّة القول الثاني ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ” إن الله تجاوَز لأمَّتِي عمّا حدَّثَت به أنفسَها ما لم تعمل أو تتكلَّمْ ” ورواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم : أن الرجل إذا حدَّث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلَّم به، قال أبو عمر : ومن اعتقدَ بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانُه، فليس بشيء .
هذا هو الأشهر عن مالك، وقد رُوِيَ عنه أنه يلزَمه الطلاق إذا نَواه بقلبه، كما يكفر بقلبِه وإن لم ينطِق به لسانه. والأول أصح في النظر وطريق الأثر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تجاوَز الله لأمَّتِي عمَّا وَسْوَست به نفوسُها ما لم يَنطِق به لسانٌ أو تعمله يَدٌ ” .
فالخُلاصة أن نِيّة الطلاق لا يقع بها طلاق عند جمهور العلماء .