ذهب المفسرون قديما إلى أن المراد بنقصان الأرض هو اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وزوال ملك قريش لأنهم اغتروا بنعم الله عليهم، وظنوا أنها لن تنقطع حتى مع كفرهم ومحاربتهم للإسلام، وذهب المفسرون في العصر الحديث إلى أن نقصان الأرض حقيقة كونية بسبب ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات.

يقول فضيلة الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
هذا النص الكريم، تتمة لقوله تعالى: “بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقسها من أطرافها أفهم الغالبون”، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى: في سورة الرعد في الآية الواحدة والأربعين “أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب”.

وجملة ما قاله القدامى من المفسرين نقلا عن بعض السلف: بأن المولى تبارك وتعالى قد متع أهل مكة بأنواع من النعيم، ولما طال استغراقهم في هذه النعم اغتروا بنعم الله تعالى عليهم، وظنوا أنها لن تنقطع حتى مع استمرارهم على كفرهم، وتشبثهم بعبادة أصنامهم، فبين لهم المولى جل شأنه أن هذا وهم، والدليل على ذلك أنهم يرون أن الأرض التي حول مكة تنقص من أطرافها يوما بعد يوم وذلك باستيلاء المسلمين عليها، ويأخذونها من الكفرة جبرا وقهرا شيئا فشيئا، وذلك من أقوى العلامات والأمارات الدالة على أن الله تعالى ينجز وعده لرسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن الدائرة والغلبة ستكون عليهم.

أما المفسرون المعاصرون فقد استفادوا بما حدث من تقدم في الكشوف الجغرافية والتغيرات المناخية.

فقال البعض: إن المراد من نقصان أطراف الأرض هو بسبب ما حدث من زيادة في منسوب مياه المحيطات والبحار؛ نظرا لارتفاع حرارة الكون وزيادة الذائب من الجليد مما طمر كثيرا من الجزر الصغيرة وأجزاء كثيرة من الجزر الكبيرة، بل وأجزاء من سواحل القارات، ولا زالت هذه الظاهرة مستمرة، وهو ما جعل العلماء يحذرون من غرق كثير من المدن التي تقع على ساحل البحار والمحيطات في المدى المتوسط والبعيد.
أما البعض الآخر فقال: إن القرآن الكريم أخبر عن واقع الأرض حيث أنها تنقص من أطرافها في الشمال والجنوب، حيث تذوب الثلوج المكونة لقطبيها الشمالي والجنوبي، ويزداد هذا النقصان كلما ارتفعت حرارة الكون.

وهذان القولان الأخيران يشهد لهما الواقع الآن؛ حيث ما فتئت مؤتمرات البيئة تنعقد وتنفض للبحث عن علاج لظاهرة ارتفاع الحرارة بسبب الغازات التي تنبعث من مصانع الدول الكبرى، وصدق الله العظيم إذ يقول: “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد”.

والله أعلم