مسألة نسخ القرآن بالسنة مسألة اختلف فيها العلماء، فالبعض قال بجواز نسخ القرآن بالسنة، والبعض الآخر قال لا ينسخ القرآن بالسنة، والرأي الأول هو الراجح؛ لأننا نأخذ الأحكام من السنة كما نأخذها من القرآن، فكلاهما من عند الله، والنسخ لا يكون إلا بأمر من الله، فالرسول –ﷺ- ما هو إلا مبلغ عن الله، قال سبحانه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) -آية 4،3 من سورة النجم–
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى-رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا- :
يقول اللّه سبحانه: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) البقرة : 106، ويقول: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) النحل: 151، تفيد هاتان الآيتان وغيرهما أن النسخ وهو انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي موجود في القرآن الكريم ، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم أو أحدهما، وذلك بنزول آية أخرى فيها حكم مغاير.، وأمثلته كثيرة في القرآن الكريم أفردت بتآليف خاصة، منها كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 س .
ونسخ القرآن بالقرآن متفق عليه بدليل الآيتين السابقتين ، وأما نسخ القرآن بالسنة فمنعه جماعة ، لأن الله يقول {قل ما يكون لي أن أبدِّله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يُوحَى إلىَّ } يونس : 15 ، ولأن السنة لا تكون مثل القرآن ولا خيرا منه، كما تقول الآية (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا).
وقال آخرون: بجواز نسخ القرآن بالسنة، وبوقوعه بناء على أن السنة أيضا من عند الله كما قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم : 3، 4 ، وقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نزَل إليهم) النحل : 44، على أن المراد بالذكر هو السنة ، وقال جماعة : بنسخ القراَن بالسنة إذا كانت بأمر اللّه عن طريق الوحى ، أما إن كانت باجتهاد فلا .
والرأي القائل بنسخ القرآن بالسنة هو الأقوى ، لقول الله تعالى - إلى جانب النصين السابقين- وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الحشر: 7، وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم) النساء : 65 ، إلى غير ذلك من النصوص.
وقد أجمع المسلمون على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره الرسول وبيَّنه كان بمنزلة القرآن المتلوَّ في الأخذ به ، فكذلك النسخ .
وتطبيقا لذلك في حكم الوصية للوارث قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة: 180 .
يقول أبو جعفر النحاس : في هذه الآية خمسة أقوال ، منها أنها منسوخة بقوله ” لا وصية لوارث ” وذلك على رأي من يجيز نسخ القراَن بالسنة- وقيل: هي منسوخة بآية المواريث (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين) النساء: 11 ، وذلك على رأي من ينسخ القراَن بالقرآن فقط وقيل : نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون، وقيل: نسخ وجوب الوصية وبقي ندبها ، وقيل: إن الوصية واجبة للوالدين والأقربين إذا كانوا لا يرثون ، كأن كانوا كفارا .
هذا ملخص ما قيل فى آية الوصية.