نظرية التطور أو “نظرية النشوء والارتقاء” مرفوضة لافتقارها إلى برهان ، كما أنها مخالفة لنصوص القرآن الصريحة التي تتحدث عن أن الإنسان خُلِق نوعًا مستقلًّا ليس متطورًا عن نوع آخر من أنواع الحيوانات .

يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله تعالى-:

نظرية التطوُّر التي يُراد بها تطوُّر الإنسان عن نوعٍ آخر من أنواع الحيوانات بطريق النُّشوء والارتقاءـ نظريةٌ لم يرفضها رجال الدين تَزَمُّتًا أو تَعَسُّفًا ، وإنَّما رَفضوها على أساسٍ مِن الدين ونُصوصه الواضحة ، وعلى أساسٍ ممَّا قرَّره الدين في رفْض ما لم يَدُلَّ عليه بُرهانٌ ، أو يشهد بصِحَّته حِسٌّ أو تجربة .

ولقد جاء صريحًا في القرآن الكريم الحديثُ عن خلْق الإنسان ، تحدَّث عن خلْق الإنسان الأول ، ومِمَّ كانَ ، وتحدث عن خلْق أبنائه ، ومِمَّ كانوا وكيف كانوا ، ففي خلْق الإنسان الأول يقول : (ولقدْ خَلَقْنَا الإنسانَ مِن صَلْصَالٍ مِن حَمَأٍ مَسْنُونٍ) . (الآية: 26 من سورة الحجر) . (وإذْ قالَ رَبُّك للملائكةِ إنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلْصَالٍ مِن حَمَأٍ مَسْنُونٍ . فإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فيهِ مِن رُوحي فَقَعُوا لهُ سَاجِدِينَ) . (الآيات: 28 ـ 29 من سورة الحجر) . وفي خلْق أبنائه يقول : (إنَّا خلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وأُنْثَى) . (الآية: 13 من سورة الحجرات) ويقول : (فَلْيَنْظُرِ الإنسانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِن ماءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِن بينَ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ) . (الآيات: 5 ـ 6 ـ 7 من سورة الطارق) .

وفي تطوُّر خلْق الأبناء من هذا الماء يقول : (يا أيُّها الناسُ إنْ كُنتمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فإنَّا خلَقْنَاكُمْ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لكمْ ونُقِرُّ في الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ). (الآية: 5 من سورة الحج).

فهذا ونحوه خبَر الله الصادق ، الذي قامت على صدقه المُعجزات ، يُحدِّث بأن الإنسان خُلِق نوعًا مستقلًّا ليس متطورًا عن نوع آخر من أنواع الحيوانات ، أيًّا كان ذلك النوع ، وكيفما كان التشابُه بينه وبين الإنسان في بعض الخصائص ، وبعض الأوضاع الجسمية .

فلو كان خلْق الإنسان بطريق الارتقاء عن نوع آخر ، لكان الحديث ، الذي ساقه القرآن عن خلقه حديثًا ، لا يُطابق الحقيقة ولا يتَّفق والواقع ، وهو حديثٌ صريح لا يحتمل غير مَدلوله المفهوم من عباراته وألْفاظه .

الوحْي وحده مصدر العلْم بالمسائل الغيْبية:

والمسألة بعدُ مسألةٌ غيبية لا يتناولها الحسُّ ، ولا محل فيها للتجربة ، وليس ثَمة مقدمات عقلية يصل بها العقل إلى معرفة واقعها ، ومثل هذه المسألة من المسائل التي ينحصر مصدر العلم بها في خصوص الخبر الصادق المُؤيَّد بالمعجزات الواصل إلى الناس من عالم الغيْب ، ومُكون الأنواع والمَخلوقات .

وقد نفَى القرآن أن يكون مبدأ الخلْق عامةً مما يعلمه الإنسان بنفسه ، وما مُنِح من قُوَى الإدراك قال-تعالى- : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلَقَ السمواتِ والأرضِ ولا خَلْقَ أنْفُسِهِمْ ومَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا) . (الآية: 51 من سورة الكهف) .

فهذا هو السند القويُّ الذي يعتمد عليه رجال الدين في رفْض نظرية التطور الفردي ، ولم يكن رفضهم إيَّاها مجرد تَزَمُّتٍ.