خلق الله الإنسان ليستخلفه في الأرض ويستعمره فيها. ولن يتم هذا إلا إذا بقي هذا النوع، واستمرت حياته على الأرض يزرع ويصنع ويبني ويعمر، ويؤدي حق الله عليه، ولكي يتم ذلك ركب الله في الإنسان مجموعة من الغرائز والدوافع النفسية، تسوقه، بسلطانها إلى ما يضمن بقاءه فردا، وبقاءه نوعا.

وكان من هذا غريزة البحث عن الطعام التي بإشباعها يبقى شخصه.

والغريزة الجنسية التي بالاستجابة لها يبقى نوعه. وهي غريزة قوية عاتية في الإنسان، ومن شأنها أن تطلب متنفسا تؤدي فيه دورها، وتشبع نهمها.

فإما أن يطلق لها العنان تسبح أين شاءت وكيف شاءت، بلا حدود توقفها، ولا روادع تردعها، من دين أو خلق أو عرف. كما هو الشأن في المذاهب الإباحية التي لا تؤمن بالدين، ولا بالفضيلة. وفي هذا الموقف انحطاط بالإنسان إلى مرتبة الحيوان. وإفساد للفرد والأسرة، وللجماعة كلها.

وإما أن يصادمها ويكبتها. كما هو الشأن في مذاهب التقشف والحرمان والتشاؤم كالمانوية والرهبانية ونحوهما. وفي هذا الموقف وأد للغريزة، وتعطيل لعملها، ومنافاة لحكمة من ركبها في الإنسان وفطره عليها، ومصادمة لسنة الحياة التي تستخدم هذه الغرائز لتستمر في سيرها.

وإما أن يضع لها حدودا تنطلق في داخلها، وضمن إطارها، دون كبت مرذول، ولا انطلاق مجنون. كما هو الشأن في الأديان السماوية، التي حرمت السفاح، وشرعت النكاح -الزواج- وخصوصا الإسلام الذي اعترف بالغريزة، فيسر سبيلها من الحلال، ونهى عن التبتل واعتزال النساء، كما حرم الزنى وملحقاته ومقدماته أشد التحريم.

وهذا الموقف هو العدل والوسط.. فلولا شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها في استمرار بقاء الإنسان.. ولولا تحريم السفاح وإيجاب اختصاص الرجل بامرأة ما نشأت الأسرة التي تتكون في ظلالها العواطف الاجتماعية الراقية من مودة ورحمة وحنان وحب وإيثار، ولولا الأسرة ما نشأ المجتمع ولا أخذ طريقه إلى الرقي والكمال.

ولا عجب إذا رأينا الأديان السماوية كلها مجمعة على تحريم الزنى ومحاربته. وآخرها الإسلام الذي شدد النهي عنه والتحذير منه لما يؤدي إليه من اختلاط الأنساب، والجناية على النسل، وانحلال الأسر، وتفكك الروابط، وانتشار الأمراض (السارية) وطغيان الشهوات وانهيار الأخلاق، وصدق الله (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) سورة الإسراء:32.

والإسلام -كما عرفنا- إذا حرم شيئا سد الطرق الموصلة إليه، وحرم كل ما يفضي إليه من وسائل ومقدمات.

فما كان من شأنه أن يستثير الغرائز الهاجعة، ويفتح منافذ الفتنة على الرجل أو المرأة، ويغري بالفاحشة أو يقرب منها أو ييسر سبيلها فإن الإسلام ينهي عنه ويحرمه سدا للذريعة ودرءا للمفسدة.