من رحمة الله تعالى أن رخص لغير القادر على الصيام في الفطر، وهذا لا يختص بالمسافر والمريض فحسب، ولكنه يشمل كل من عجز عن الصوم ولم يقدر عليه كالحامل والمرضع إذا كان الصيام يضر بهما أو بولدهما، والصحيح الذي يعلم أن الصيام يمرضه، وأصحاب الأعمال الشاقة الضرورية، ومن اشتد جوعه وعطشه حتى خشي على نفسه الهلاك، ومن كان عجزه عن الصوم طارئاً يرجى زواله جاز له الفطر وعليه القضاء بعد زوال سبب العجز.

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

يرخص الفطر للمريض الذي يرجى برؤه وشفاؤه، وكذلك المسافر سفرَ قصرٍ ، وعليهما القضاء فقط ، كما قال ـ تعالى:( مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )البقرة: 184.

وقد جاء في رواية أحمد وأبي داود والبيهقي بسند صحيح أن: الصوم كان أولا بالاختيار بين الصوم وبين الفطر مع الإطعام كما فهم من قوله ـ تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ )البقرة: 184، يعني: من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينا، فأجزأ ذلك عنه. ثم أنزل الله الآية التالية وفيها:( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ  الْعُسْرَ )البقرة: 518.

فأثبت الصيام على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض، والمسافر، وأثبت الطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام.

والمرض المبيح للفطر هو ما كان فيه شدة يخشى منها تأخر الشفاء، وليس أي مرض كان ، وهذا للمريض بالفعل.

أما الصحيح الذي يخشى المرض إذا صام، فقد ألحق بالمريض بالفعل، وكذلك من غلبه الجوع والعطش، وخاف الهلاك؛ لزمه الفطر وإن كان صحيحا مقيما، قال ـ تعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )الحج : 78. وقال: ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ  الْعُسْرَ }. وقال: ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )النساء:29.

ومع جواز الفطر للمريض، والمسافر إذا تحمل كل منهما الصيام وصام؛ صح صومه، ولكن يكره ذلك إذا كان سيلحقه ضرر أو كان معرضا عن الرخصة، والله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه.

روى مسلم أن حمزة الأسلمي قال: يا رسول الله: إني أجد مني قوة على الصوم في السفر. فهل علي جناح؟ فقال: هي رخصة من الله ـ تعالى ـ فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه”.

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري أنهم كانوا في سفر إلى مكة مع الرسول (صلى الله عليه وسلم ) وهم صيام، فقال لهم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: إنكم مُصَبِّحوا عدوكم ، والفطر أقوى لكم، فأفطروا ، فكانت عزمة ـ أي عزيمة واجبة ـ فأفطرنا ، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السفر”.

وفى رواية أخرى لمسلم عن أبي سعيد أنهم كانوا في الغزو مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان فمنهم الصائم، ومنهم المفطر، فلا يجد أي: يعيب أحدهم على الآخر، ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، وإن من وجد ضعفا فأفطر، فإن ذلك حسن، لكن أيهما أفضل: الفطر، أو الصيام؟

ويرى أبو حنيفة والشافعي ومالك أن الصيام أفضل للقوي وأن الفطر أفضل للذي لا يقوى على الصيام.

وقال أحمد بن حنبل: الفطر أفضل في كل حال.