عرف المسلمون أنواعا كثيرة من الرياضة، بعضها أقرهم الإسلام عليها؛ إذا كانوا يعرفونها قبل إسلامهم وبعضها كان من تفكيرهم، وكل رياضة لا تصرف عن واجب من الواجبات، ولا يراد بها البغي والاعتداء على الناس، وتخلوا من المقامرة فهي جائزة .

ويذكر فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر – رحمه الله تعالى – بعضا من هذه الصور المشروعة فيقول :

مظاهر الرياضة البدنيّة في الإسلام كثيرة، والتكاليف الإسلاميّة نفسها يشتمل كثير منه على رياضات للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للرّوح واستقامة السلوك، فالصلاة بما فيها من طَهارة وحركات لمُعظم أجزاء الجسم، والحجّ بمناسِكه المتعدّدة، وزيارة الإخوان وعيادة المَرضَى والمشي إلى المساجد وأنواع النشاط الاجتماعي كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت في الحدّ المعقول.

ومن بين هذه الرياضات التي عرفها المسلمون :
1 ـ العَدْو: وهو تدريب على سرعة المشي، يلزَم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعي لتحصيل الرزق وغير ذلك.
والعدو داخل ضمنًا تحت الأمر بالمُسارعة إلى الخير، فهي مسارعة روحيّة وجسميّة، وقد روى أحمد أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ سابَق عائشة فسبقَتْه، ثم سابَقها بعد ذلك فسبقَها، فقال: هذه بتلك، وجاء في بعض الروايات أنَّ سبقه لها في المرة الثانية كان لثقل جسمها وسمنتها.
وقد اشتهر من العرب في سرعة العَدو حُذيفة بن بدر، وكان قد أغار على هجاء النّعمان بن المنذر بن ماء السماء، وسار في ليلة مَسير ثمانٍ

2 ـ ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها: والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسيّة، وكان الناشئ منهم لا يصِلُ إلى الثامنة حتّى يتحتّم عليه أن يتعلّم ركوب الخيل، والله ـ سبحانه وتعالى ـ قد نوّه بها في قوله تعالى: (والعادِياتِ ضَبْحًا . فالمُورِيات قَدْحًا . فالمُغيراتِ صُبْحًا . فأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا . فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) (سورة العاديات : 1 ـ 5) فهي من أهمِّ أدوات الحرب، كما نوّه بها في السِّلم فقال سبحانه: (والخَيْلَ والبِغالَ والحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وزِينة) (سورة النخل : 8) وأوصَى رسوله بالعناية بها فقال: (وأعِدُّوا لَهُم ما استطعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ ومِنْ رِباطِ الخَيْلِ) (سورة الأنفال : 60) ورباط الخيل تعهدها بما يحفَظ عليها قوتَها، ويجعلها دائمًا على استعداد للغزو وغيره، وقد ورد أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ سابَق بين الخيل التي قد أُضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدًها ثَنيّة الوداع والمَسافة نحو ستّة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تُضمر، فأرسلها من ثَنية الوداع إلى مسجد بني زريق، والمسافة نحو ميل (تَضمير الخيل هو إعطاؤها علفًا قليلًا بعد سِمَنِها من كثرة العلف، وكانت عادة العَرب أنْ تعلفَ الفرسَ حتى يَسمَن، ثم تَردَّه إلى القُوت أي الأكل العادي.

وفي مسلم أن رسول الله قال يوم حنين: يا خيل الله اركبي وقال: “اركبوا الخَيل فإنّها ميراث أبيكم إسماعيلَ” وقد سابَق النبي أيضًا على الجمال فسابَق على ناقته العَضباء وكانت لا تسبَق، فجاء أعرابي على قَعود فسبقَها، فشقّ ذلك على المسلمين فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ حقًّا على الله ألّا يرفَعَ من الدنيا شَيئًا إلا وَضَعَه” رواه البخاري، وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن عمر أرسل كِتابَه إلى الأمصار يقول فيه: علِّموا أولادَكم السّباحة، والفروسيّة . وفي رواية ومُروهم يَثِبُوا على الخيل وَثبًا، ورَوُّوهم ما سارَ من المثل وحَسَن من الشعر.

3 ـ الرِّماية: عن عقبة بن عامر، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو على المنبر يقول: “وأعِدُّوا لهم استطعْتُمْ من قُوّة …” “ألا إن القوّة الرّمْي، ألا إن القوة الرّمي” رواه مسلم، وعن سلمة بن الأكوع أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرّ بنَفَر من أسلمَ بالسّوق، فقال: “ارمُوا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامِيًا، ارمُوا وأنا مع بني فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله ما لكم لا ترمُون؟ فقلنا كيف نرمِي وأنت معهم؟ فقال: ارمُوا وأنا معكم كُلِّكم” رواه البخاري ومسلم. وعن عقبة أيضًا: سَمِعْت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : “إن اللهَ يُدخِلُ بالسّهم الواحد ثلاثةَ نفر الجنّةَ، صانِعه يحتسب في صنعتِه الخَيرِ، والرّامي به، ومِنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحبُّ إليّ من أن تركبوا، ومن ترك الرميَ بعد ما عُلِّمَه رغبة عنه فإنّه نِعمة تركَها، أو قال كَفَرَها” رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه، وفي رواية أن فقيمًا اللَّخمي قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشقّ عليك؟ فقال عُقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم أُعانِه، والكلام الذي سمعه هو “مَن علم الرّمي ثم تركه فليس منّي، أو فقد عَصَى” رواه مسلم.

4 ـ اللعب بالسلاح : وكان معروفًا عند العرب باسم “النقاف” وهو أصل المبارَزة بالسلاح المعروفة في شكلها الحالي، وإن من صوره رقْص الحبشة الذي رآه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم في المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحِبها السهام، ففي رواية عن أبي سلمة أن الحبشة كانوا يلعبون بحرابِهم ويتلقَّونها .

وكانت المبارزة تتقدّم الحروب والغزوات أيّام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ومن أشهر المبارِزين عليّ بن أبي طالب ومواقِفه في بدر والخندق وغيرهما معروفة.
والتحطيب المعروف عندهم باسم “اللبج” أو “اللبخ” يشبه اللعب بالسّيوف؛ لأنه محاوَلة للأخذ قوامُها هجوم ودفاع بالعِصيّ.

5 ـ المصارعة : وقد صارَع النبي جماعة، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكّة ويُحسِن الصراع ويأتيه الناس من البِلاد فيَصرُعُهم، قال ابن إسحاق: لقيَه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شعب من شعاب مكّة فقال له: يا ركانة، ألا تتّقِي الله وتقبَل ما أدعوك إليه؟ فقال: يا محمد هل لك من شاهد يدلُّ على صدقك؟ فقال: أرأيتَ إن صرعتُك أتؤمِن بالله ورسوله؟ قال: نَعم.

وقال البلاذُري: إن السّائِل للمصارعة هو ركانة، فقال له: تهيّأ للمصارَعة. فقال: تهيأتُ فأخذه ثم صرعَه، فتعجّب من ذلك ركانة، ثم سأله الإقالة ممّا توافَقا عليه، وهو الإيمان والعودة إلى المصارَعة، ففعل به ذلك ثانيًا وثالثًا، فوقَف ركانة متعجِّبا وقال: إن شأنك لعَجيب، وأسلم عقِبها، وقيل أسلمَ في فتح مكَّة.

رواه الحاكم وأبو داود والترمذي، كما صارَع النبي ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه ثلثمائة من الغنم، فقال: يا محمد هل لك أن تصارِعَني؟ قال: وما تجعل لي إن صرعْتُك؟ قال: مائة من الغنم، فصارَعه فصرَعَه، ثم قال: هل لك في العَود؟ قال: وما تجعل؟ قال: مائة أخرى: فصارَعه فصرَعَه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمد، ما وضع جَنبيَ في الأرض أحدٌ قبلك، ثم أسلم وردّ عليه غنَمَه، رُوِيَ عنه أنه قال:ماذا أقول لأهلي؟ شاة افترسَها الذئب، وشاة شذّت منِّي، فماذا أقول في الثالثة؟ فقال له النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” ما كنا لنجمعَ عليك فنصرعُك ونُغرمُك، خذْ غنمَك وانصرِف (ذكره الزرقاني في شرح المواهب ج 4 ص 293) وكذلك صارَع النبي أبا الأسود الجمحي، وكان رجلًا شديداً بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذَب أطرافَه عشرة لينزِعوه من تحت قدميه فيتفرّى الجلد ولم يتزحزحْ عنه.

6 ـ رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يُعرف عند العرب باسم “الربع” وهو أن يرفع الحجر باليد، يفعل ذلك لتعرَف شدّة الرجل، والرّبيعة والمَربوع هو الحجر الذي يُرفع، وفي الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرَّ بقوم يربِعون حجرًا أو يتربّعون فقال: عمال الله أقوَى من هؤلاء (ذكره في لسان العرب) وأول من فكّر في تلك اللُّعبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان مشهورًا بقوته البدنيّة، وقد اشتهر بالقوة البدنيّة علي بن أبي طالب فإنه في غزوة خيبر لما ضاع ترسُه أمسك بباب كان عند الحصن فتترّس به عن نفسه، وكان سبعة نَفر ينوؤون بحَمله (ذكره في الروض الأنف ج 2 ص 239).

7 ـ القفز أو الوثب العالي: وكان يُعرَف أيضًا عند العرب باسم “القفيزي” حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافَزون عليها ولها نظام خاصٌّ لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 133).

8 ـ الكرة: هي تُشبِهُ لعبة البولو في هذه الأيام، وقد وضعوا لها آدابًا مذكورة في كتب الأدب، قال الحارثة بن رافع: كنتُ ألاعب الحسن والحسين بالمَداحي، والدَّحوُ رمي اللاعب بالحجر والجوز وغيره، والمَداحي كشكل القُرصة، وتحفر حفرة فترسَل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قُرصته فيها فهو الغالب، وذكر أن ابن المُسيّب سئل عن الدّحوُ بالحجارة فقال لا بأس به.

9 ـ السّباحة: عن عطاء بن أبي رَباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عُمير الأنصاري يرميان فملّ أحدهما فجلس فقال له الآخر: كَسِلْتُ؟ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “كل شيء ليس من ذِكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال. مشي الرجل بين الغَرضين، وتأديبُه لفرسِه ومُلاعبته أهلِه، وتعليم السِّباحة” ورواه الطبراني بإسناد جيد، وروى البيهقي بسند ضعيف من حديث أبي رافع: حقّ الولد أن يعلِّمه الكتابة والسّباحةَ والرّمي. وعن ابن عباس قال: بما قال لي عمر بن الخطاب : تعالَ أباقِيك في الماء، أيُّنا أطول نَفَسًا.

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 264) عندما تغلب مُعز الدولة أحمد بن بُويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة، حتى كان السّباح يحمل المَوقِد عليه القِدْر باللحم إلى أن ينضَج. ورُوِيَ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبَح وهو صغير عندما زارت به أمُّه أخواله في المدينةِ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجَر نظر إلى دار التابعة حيث دُفِنَ أبوه قال: هاهنا نزلتْ بي أمي وأحسن العَوم في بئر بني عدي بن النّجار، واستدلّ به السيوطي على أن النبي عَامَ، وذكر أنه روى أبو القاسم البغوي وغيره عن ابن عباس أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبَح هو وأصحابه في غَدير، فقال ليسبَح كل رجل إلى صاحبِه، فسبَح ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أبي بكر حتّى عانَقَه، وقال: أنا وصاحبي” (الزرقاني على المواهب اللَّدُّنيّة ج 1 ص 164).