معنى “الديان” في اللغة:

الدين : الجزاء والمكافأة .
يقال : دانه دينا أي : جازاه ، يقال : كما تدين تدان .
أي : كما تجازي تجازى ، أي : تجازى بفعلك وبحسب ما عملت .
وقوله تعالى : ( أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ) [ الصافات : 53] أي : مجزيون محاسبون .
ومنه : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) [ الفاتحة : 4] أي يوم الحساب .
قال الجوهري : ومنه الدّيان في صفة الله تعالى .
والدّين : الذّل ، والمدين : العبد ، والمدينة : الأمة ، كأنهما أذلّهما العمل .
والدّين : الطاعة ، ودان له أي : أطاعة .
ومنه : الدّين والجميع أديان .
يقال : دان بكذا ديانة وتديّن به ، فهو ديّن ومتديّن .
والدّيان : القهّار ، وهو فعّال ، من : دان الناس ، أي : قهرهم على الطاعة . ودنت الرجل : حملت على ما يكره .
والدّين : العادة والشأن والحال .
تقول العرب : ما زال ذلك ديني وديدني ، أي عادتي .
والدّين : واحد الدّيون ، تقول : دنت الرجل أقرضته ، فهو مدين ومديون .
وأدنته جعلته دائنا وذلك بأن تعطيه دينا .
والدّين : يقال للطاعة والجزاء واستعير للشريعة .
والدّين كالملة ، لكنه يقال اعتبارا باالطاعة والانقياد للشريعة ، قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ ) [ آل عمران : 19] .
وقال : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [ النساء : 125] أي طاعة .

اسم الله “الديان” في السنة النبوية:

ورد فيه حديث جابر بن عبد الله يقول : بلعني حديث عن رجل سمعه من رسول الله فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبدالله بن أنيس ، فقلت للبواب : قل له جابر على الباب فقال : ابن عبد الله ؟ قلت : نعم ، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته ، فقلت : حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه ، قال : سمعت رسول يقول : ” يحشر الناس يوم القيامة ـــ أو قال العباد ــ عراة غرلا بهما ” ، قال : قلنا : وما بهما ؟ قال : ” ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الديّان ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وله عند أحد من أهل الجنة حق ، حتى أقصه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللّطمة ” ، قلنا : كيف! وإنا إنما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما ؟ قال : ” بالحسنات والسيّئات ” .
زاد في رواية الحاكم والبيهقي : وتلا رسول الله ( الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْم) [غافر : 17] .
وورد في حديث أبي قلابة عن أبي الدرداء : البرّ لا يبلى ، والإثم لا ينسى ، والدّيان لا ينام ، فكن كما شئت ، كما تدين تدان .

معنى “الديان” في حق الله تبارك وتعالى:

قال الخطابي : الدّيان : وهو المجازي .
يقال : دنت الرجل إذا جزيته ، أدينه .
والدّين : الجزاء ، ومنه المثل : ” كما تدين تدان “
والدّيان أيضا : الحاكم ، ويقال : من ديان أرضكم ؟ أي : من الحاكم بها ؟ .
قال الحليمي : ومنها ” الدّيان ” ، أخذ من ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وهو : الحاسب والمجازي ، ولا يضع عملا ، ولكنه يجزي باخير خيرا ، وبالشّر شرّا .
قال ابن الأثير : في أسماء الله تعالى ” الدّيان ” قيل : هو القهّار .
وقيل : هو الحاكم القاضي .
وهو فعّال ، من : دان الناس أي قهرهم على الطاعة .
يقال : دنتهم فدانوا ، أي : قهرتهم فأطاعوا .

من آثار الإيمان باسم الله “الديان”:

1ــ أن الله تعالى هو الدّيان المحاسب والمجازي للعباد ، وهو الحاكم بينهم يوم المعاد ، كما قال سبحانه : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) [ الفاتحة : 4] وقال : (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب) [ غافر : 17] .
فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد) [ آل عمران : 48] .
وقال سبحانه : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) [ الأنبياء : 47] .
وقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) [ النساء : 40] .
قال القرطبي : فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه هو ” الديّان ” يوم القيامة ، الذي يجازي كل بعمله ، فيقتصّ للمظلوم من الظالم ، ومن السيد لعبده ، كما في حديث عائشة أن رجلا قعد بين يدي النبي فقال : يا رسول الله ، إن لي مملوكين … الحديث خرجه الترمذي وقد تقدم في اسمه الحاسب .
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ” أتدرون ما المفلس ؟ ” قالو : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : ” إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ” .
ثم عليه أن يدين بطاعته .
وكما يدين يدان .
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
فإذا دان نفسه بالطاعة ، وحكم قلبه الذي هو الأمير على رعاياه التي هي جوارحه ، واشتدّ في الحكم لدين الله الذي به نبيه ، وأشاع هذا في الخلق ، وأظهر دين الله بالحق ، فهو ديّان من ديّاني هذه الأمة ، وقد استوجب يوم الدين : عظيم الحرمة .

2ــ ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ويستعد للقاء ديان السموات والأرضين قبل مجيء يوم الدين .
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا ، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
وقد ورد في حديث جابر السابق أن الناس يحشرون يوم القيامة عراة غرلا بهما ــ أي : ليس معهم شيء ــ ثم يناديهم بصوت يسمعه البعيد كما يسمعه القريب قائلا لهم : أنا الملك أنا الديان ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق ، حتى أقصّة منه .
ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصّه منه حتى اللّطمة .
فسأل أصحاب النبي عن كيفية القصاص وقد حشروا حفاة عراة بهما ليس معهم درهم ولا دينار ؟!
فأجابهم : أن القصاص يكون بالحسنات والسيئات ، أي : يأخذ المظلوم من حسنات الظالم ، فإن لم يكن عنده حسنات أخذ من سيئات المظلوم فوضعت على الظالم ثم تلا رسول الله الآية (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [غافر:18] .
قال القرطبي : ولقد أحسن أبو العتاهية في قوله حين حبسه الرشيد :
أما والله إن الظلــــم لؤم وما زال المسئ هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي