بداية يحتاج المسلم إلى صحبة صالحة يتعرف عليها من المسجد ، تأخذ بيده، وتريه الحق، وتذكره وتعينه ، وتكون له ردءا وعصمة وعونا على الشيطان ، فالشيطان قريب من الواحد بعيد من الاثنين، وهو من الثلاثة أبعد.

وأما عن الناحية العلمية ، فعلى المسلم أن يتعلم أحكام الطهارة والصلاة ، وأحكام الزكاة – إن كان غنيا – وأحكام الصيام، كما عليه أن يعلم أحكام الحلال والحرام في المأكل والمشرب ، والملبس ، وأحكام الزينة وغيرها .
ويمكن للمسلم أن بستعين في ذلك بالأشرطة – الكاسيت والفيديو- وكتب العلم المعاصرة ، كما يمكنه أن يستفيد من شبكة المعلومات – الإنترنت – وعليه أن يتأكد من كفاءة العالم الذي يتلقى عنه ومن تدينه ، فلا بد أن يكون جامعا بين الفقه والحديث ، عالما بمقاصد الشريعة ، واسع الاطلاع على مذاهب السلف والخلف ، جانحا إلى التيسير- عند وجود الدليل – أكثر من جنوحه إلى التشدد والتعنت .

على المسلم أن يتعلم من أحكام الإسلام وشرائعه ما هو في حاجة إليه، من علم الطهارة والصلاة اليومية ـ وهي الصلوات الخمس ـ والصلاة الأسبوعية، وهي صلاة الجمعة الواجبة على الرجال، والمراد معرفة الأساسيات لا المسائل الغريبة والنادرة، والتفصيلات التي تُترك للعلماء المتخصصين.

ومثل ذلك علم الصيام عندما يجيء رمضان، ومثله علم الزكاة عندما يملك نصابها، ويتعلم من أنواع الزكاة ما هو مفتقر إليه، فإن كان، تاجرًا تعلَّم زكاة التجارة، وليس مطالَبًا بمعرفة زكاة الأنعام والزروع والثمار، وإذا قدر على الحج وعزم عليه عرف أهم أحكامه.

كما عليه أن يعرف أهم أحكام الحلال والحرام التي يتعرض لها المسلم في حياته: في المأكل والمشرب والملبس والزينة، والبيت، والعمل، وحياة الأسرة والمجتمع. (وقد بينا ذلك في كتابنا “الحلال والحرام في الإسلام” الذي طُبع أكثر من خمسين طبعة بالعربية، وتُرجم إلى عشرات اللغات بحمد الله)

وعلى كل مسلم أن يعرف ما يخصه من أحكام، فالوالي يعرف أحكام الولاية، والتاجر يعرف أحكام التجارة، والطبيب يعرف أحكام الطب، والزوج يعرف حقوق الزوجية وواجباتها، وكذلك الزوجة، والأب يعرف أحكام الأبوة والبنوة، وكذلك الأم… وهكذا.
وعلى كل مسلم أن يعرف من علم الأخلاق والآداب الشريعة ما يضبط به سلوكه بضوابط الشرع، فلا يحيد عما أمر الله به، ولا يتجاسر على ما نهى الله عنه متحليًا بالفضائل، متخليًا عن الرذائل.

ويستطيع المسلم أن يحصِّل هذا العلم المفروض عليه، إما بالتلقي والسماع مشافهة من علماء ثقات في علمهم وتقواهم، وحسن فهمهم للدين وللواقع معًا.

وهذا ما يلزم الأميين، وليس لهم خيار في غيره، واجتهاد المسلم هنا في اختيار العالِم الذي يتلقَّى منه، ويجب أن يفرِّق المسلم بين العالم الواعظ الذي يأخذ منه الموعظة والتذكير، والعالم الفقيه الذي يتلقَّى عنه الأحكام والشرائع، فليس كل واعظ مؤثِّر، أو خطيب مفوَّه، أو عالم بالتفسير أو الحديث: يكون ثقة في فقهه وفتواه، فإن الله وزَّع المواهب والقدرات بين الناس، إلا من وهبه الله الجمع بين هذه الملكات والقدرات، وقليل ما هم، وعوام المسلمين، بل كثير من متعلميهم، يخلطون في هذا الأمر، فيحسبون الوعَّاظ البلغاء فقهاء في أحكام الشريعة، ويستفتونهم في أعوص المسائل، ويُجيبهم هؤلاء حسب علمهم، فيقعون في أخطاء كثيرة وكبيرة، وهم لا يشعرون، ولو أنصفوا لقالوا لهم: اسألوا غيرنا، فنحن لا نعلم، ورحم الله امرءًا عرف حدَّه، فوقف عنده، وقد حذَّر الحديث الصحيح المتفق عليه من الذين يُسألون، فيُفتون بغير علم، فيَضلون ويُضلون.

ومن وسائل التثقيف في عصرنا: الشريط المسموع (الكاسيت)، وهو وسيلة مهمة وسريعة التأثير، ويمكن للإنسان أن يستخدمه وهو في سيارته، أو في محله، أو المرأة في مطبخها، أو غير ذلك دون أن يكلف جهدًا غير الاستماع والتفهم.
ويضاف إلى ذلك في عصرنا ك ما يبثه التلفاز والإذاعة من برامج دينية، وما يمكن أن يُقدَّم عن طريق جهاز (الفيديو) من أشرطة مرئية ومسموعة، ويجب على المسلم الواعي أن يتخير ما يسمعه من هذه الأشرطة، فليس كل شريط ديني يحسن سماعه، فبعض هذه الأشرطة أشبه بالأغذية الفاسدة أو الملوَّثة بالإشعاع ونحوه، فهي في الواقع تضر أكثر مما تنفع، وتهدم أكثر مما تبني؛ لأنها لا تقوم على علم موثَّق، وعلى أدلة شرعية صحيحة.
كما أن كثيرًا منها يقوم على (المبالغة في الترهيب) من عذاب القبر وعذاب الآخرة، وتبنِّي منهج التعسير لا التيسير، والتنفير لا التبشير، على خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

ويضاف إلى ذلك في عصرنا : شبكة (الإنترنت) وما تقدمه من معلومات عن الإسلام.
وهذا يوجب علينا أن نحذِّر المسلم : ألا يأخذ دينه إلا من الثقات المأمونين، الموثوق بعلمهم ودينهم، ولا يأخذ الدين عن كل من هب ودب؟
بل ينبغي للمسلم أن يتحرى ويتوخى الحذر في كل مصدر يتلقى منه الدين، فليس كل ما تُخرجه المطابع من الكتب والرسائل موثوقًا به، فكم من كتب مليئة بالخرافات والأباطيل.
ومما ينبغي الحذر منه : الإسرائيليات في التفسير، والأحاديث الموضوعة والواهية في الحديث، والحكايات والمنامات غير المعقولة في الوعظ والترغيب والترهيب، وأوصي المسلم الذي ينشد الثقافة السليمة : ألا يأخذ حديثًا إلا من عالم يعرف الحديث، فليس كل العلماء والوعَّاظ يعرفون ذلك..

ويَحسن بالمسلم أن يَقتني كتابًا في الأحاديث المشهورة مثل (المقاصد الحسنة) للسخاوي أو (كشف الخفا ومُزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) للعجلوني، ونحوهما.

التعلم عن طريق القراءة .
كما يمكن للمسلم التعلم بالقراءة والمطالعة لكتب ألَّفها علماء ثقات كذلك، وستظل للكلمة المكتوبة قيمتها وأثرها في التوجيه والتثقيف، وهي الأطول عمرًا، والأبقى أثرًا، وينبغي للمسلم أن يتخير الكتب التي يقرؤها عامة، والتي يتعلم منها دينه خاصة، فإن المطابع تُخرج كل يوم السمين والغث، والجديد والرَّثَّ، فكم فيها من أصيل نافع، وكم فيها من دخيل ضار، وعلى المرء أن يأخذ ما صفا ويدع ما كدر.
وقد قال أحد الحكماء : أخبرني : ماذا تقرأ ؟ أُخْبِرْكَ : مَن أنت!
ونُحذر هنا من سموم الكتب المقروءة، كما حذرْنا من سموم الأشرطة المسموعة، فمن الكتب ما هو معلوم ضرره، بيِّن خطره، مثل كتب الملاحدة الجاحدين، والمنصِّرين المكشوفين، ومنها ما يدس السم في الحلوى، مثل كثير من كتب العلمانيين والماركسيين وأمثالهم، التي تُضلل المسلم العادي عن الحق وتُزيِّن له الباطل من حيث لا يشعر.

ومن أشد الكتب خطرًا :-
الكتب الدينية التي لا تسند إلى علم وثيق، والتي حُرِمت من التمحيص والتحقيق، فهي محشوة بالأباطيل، حافلة بالمبالغات والأضاليل، وكثيرًا ما تروَّج بضاعتها عند العوام الذين لا يَمِيزُون بين الطيب والخبيث.
ومن ذلك : كتب الحرفيين والغلاة المتشددين، الذين يكادون يحرِّمون على الناس كل حلال، ويتبنون التعسير لا التيسير، والتنفير لا التبشير.