كانت فاطمة أصغر بنات النبي وأعزُّهن عليه، وأحبهن إليه، وكانت أشبه الناس به في خَلْق وخُلُق، وكانت هي آخر من بَقِيَ من أولاده جميعًا، فلا عَجَب أن يَغمَرها النبي بحبه، ويُؤثِرها بمزيد حنانه وقُرْبه، وقد ذكرتْ ذلك أمُّ المؤمنين عائشة فقالت: ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسول الله ـ ـ في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله، قالت: وكانت إذا دَخَلتْ على النبي ـ ـ قام إليها فقَبَّلها وأجلسها مَجلِسه، وكان النبي إذا دخل عليها قامت فقبَّلتْه، وأجلستْه في مجلسها.
وقد برزت هذه العاطفة الأَبوية الدافِقَة في أَجلَى صُوَرِها حين استأذنه بنو هشام بنِ المُغيرة أن يُزَوِّجُوا علي بن أبي طالب ابنة أبي جهل، فأَبى عليهم، ووقف على المنبر يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن يُزوِّجوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذَن، ثم لا آذن، ثم لا آذن..
إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يُطلِّق ابنتي ويَنكِح ابنتهم، فإنما فاطمة بِضْعة مني، يُريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها؛ إني أخاف أن تُفتَن فاطمة في دينها، وإني لا أُحرِّم حلالاً، ولا أُحِلُّ حرامًا، ولكنْ والله لا تجتمِع بنت رسول الله وبنت عَدُوِّ الله في بيت واحد أبدًا.
لكنَّ هذه العاطفة الحارة سُرعان ما تَنكمِشُ وتَنطفيءُ إذا كانت بإزاء حد من حدود الله، ولقد كان ـ عليه السلام ـ حين يُريد أن يُقرِّر للناس أن أحكام الله وسُنَنَه في الدنيا والآخرة لا تُحابي أحدًا مهما يكن شأنه ومَنزلته يَضرب المَثَل بأعَزِّ الناس عليه: فاطمة.
يقول في شئون الدنيا: “وأَيْمُ الله، لو سَرقتْ فاطمةُ بنتُ محمدٍ لقَطعتُ يَدَها”..
ويقول في شئون الآخرة: “يا فاطمةُ بنت محمد.. اعمَلي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، من بَطَّأَ به عملُه لم يُسرِعْ به نَسبُه”..