العبودية لله معنى جميل يشعر به من ذاقه ، إذ هو يخلص صاحبه من عبودية البشر، ويفعل ما يرضي ربه سبحانه وتعالى ، تقربا إليه، وحبا فيه، بالرضا التام، والحضور التام، ويشعر وهو على هذه الحال بلذة لا تعدلها متع الحياة الدنيا.

يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله تعالى-:
العبودية هي أرقى مراتب القرب من الله تعالى, لأنك تأتي إلى الله طائعاً منفذا للمنهج باختيارك.

و لقد عرض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يكون ملكا رسولا, أو عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا رسولا .

فمصدر الشرف للإنسان أن يحس و يشعر بتجلي الله عليه بعبوديته له, لأن ( العبودية) عطاء علوي من الله.

و الإيمان كله عزة, و الناس تكره كلمة ( عبودية) لأن عبودية البشر للبشر فيها ذلة, و فيها أن السيد يأخذ خير عبده.
أما العبودية لله فنجد أن العبد يأخذ خير سيده, و لذلك نجد الله سبحانه و تعالى قد امتن على نبيه بصفة العبودية, فقال:
” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ”
فقد أخلص صلى الله عليه و سلم العبودية لله , فأخذ من فيوضات الحق بما يناسب عبوديته.
و الحق سبحانه و تعالى يوضح لكل عبد:
نم ملء جفنيك, فأنا لا تأخذني سنة و لا نوم, و أنا قيوم, و إن احتجت مني إلى شيء ما, فادعني و سأمد لك يد العون بما يناسبك.
فهل في هذه العبودية لله شيء غير العزة؟
إنك إن كبرت الحق سبحانه و تعالى أعززت نفسك, فسجودك و عبوديتك لواحد أعفاك من أن تسجد لألوف الأقوياء في الأرض.

و اعلم أنك إن التجأت إليه سبحانه وكنت في معيته, كنت أكبر من غيرك, و لا يستطيع أحد أن ينالك بسوء, لأنك في معية الله و من كان الله معه فلا يحزن.

و لكن الذي يشرد من معية الله هو الذي يتعب. فالحق سبحانه و تعالى يريد منا أن نخلص النية في الالتحام بمعية الله سبحانه و تعالى, ليضفي علينا ربنا سبحانه من صفات جلاله و من صفات جماله.

و انظروا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الغار. يقول الحق سبحانه:

“إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ”

أي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى صاحبه عن الحزن بعلة معية الله سبحانه و تعالى و لابد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد قال كلاما يفيد بالحزن, لأن الحزن لم يأت له من تلقاء نفسه, بل من قانون كوني, حين قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم: ” لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا”.

لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يتكلم عن القانون الكوني و لكنه يتكلم عن طلاقة قدرة المكون سبحانه, فقال:
” ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! ”

فمعية الله أضفت لهما شيء من جلاله و جماله, و الله سبحانه لا تدركه الأبصار.

و الحق سبحانه يطلب منك أن تواجه الحياة في معية الله, فأنت لو واجهت المشكلات في معية من تثق في قوته تواجه الأمور بشجاعة, فما بالك إذا كنت في معية الله, و كل شيء في الوجود خاضع لله, أيجرؤ شيء أن يقف أمامك و أنت مع الله؟
الله تعالى يقول:
”إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ”

و ما دام الله مع الصابرين فلابد أن تعشق الصبر.
و كيف لا تعشق ما يجعل الله معنا؟

و العبادة كلها طاعة تتمثل في تطبيق ما جاء به المنهج من (افعل) و (لا تفعل) و قد يتدخل المنهج في حريتك قليلا, و أنت بقوة الإيمان تعتبر أن هذا التدخل في هذه الحرية نعمة يجب أن تحمد الله عليها, لأنه لو تركك على هواك, فستفشل.

إذن: الأوامر و النواهي هنا نعمة, و يجب أن نحمد ربنا عليها, و كل ما يجريه الله على العبد المؤمن يجب أن يأخذه العبد على أساس أنه نعمة.

فحين تعرف أن العبادة أوصلتك إلى أمر ثقيل على نفسك, فاعرف أن هذا لمصلحتك, و عليك أن تحمد الله عليه, و بذلك يدخل المؤمن في زمرة الحامدين.

و أنت حين تؤمن بالله, يصبح الله في بالك, فلا يشغلك شيء عنه سبحانه.
فالعبادة خضوع لله سبحانه و تعالى بمنهجه (افعل) و (لا تفعل) و لذلك جعل الصلاة أساس العبادة, و السجود هو منتهى الخضوع لله, لأنك تأتي بوجهك الذي هو أكرم شيء فيك و تضعه على الأرض عند موضع القدم.

فيكون هذا منتهى الخضوع لله. و يتم هذا أمام الناس جميعا في الصلاة, لإعلان خضوعك لله أمام البشر جميعاً.

الصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحق تبارك و تعالى, و هي أيضاً استحضار العبد وقفته بين يدي ربه.
فالله سبحانه يريد منا الولاء دائما, فإذا كنت تعتز بالله فأنت تديم الولاء له باستمرار الصلاة, و أنت حين تسجد لله و تتذلل له , فإنه سبحانه يزيدك عزة و يكون معك دائما, و يقيك ذل الدنيا.