هذه الآية من الآيات العلميّة التي ما كان العرب يَعرفون عنها شيئًا، وبالتالي لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعلَم عنها شيئًا لولا نزول القرآن عليه من الله، “واللهُ يَعْلَمُ وأَنْتُم لاَ تَعْلمونَ. وذلك من أدلة صِدق النبي –صلى الله عليه وسلم– في دعواه الرسالة.
وقد ظل الناس قرونا طويلة يَجهلون كيف يتخلّق الجَنين في بطن أمّه حتى نزل القرآنَ فبيّن ذلك بدقة في سورة “المؤمنون” ووضّحه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه، وهو لا ينطِق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحَى.
وبيّن أن الإنسان يُجمَع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نطفةً ثم أربعين يومًا عَلقة ثم أربعين يومًا مُضْغة.

والمفسِّرون للقرآن والشارِحون للأحاديث كانوا يوضِّحون ذلك حسب المعلومات التي كانت عندهم مع استعانتِهم بمعاني الألفاظ العربيّة التي نزل بها القرآن والتّرائبِ هي عِظام الصدر، وهل المُراد صدر الرّجل، أو صَدر المرأة الذي يُقابله الصُّلب في الرّجُل؟ رأيان وإليك نموذجًا من التفاسير :

(أ) جاء في تفسير القرطبي ( الصلب والترائب ) أن الإنسانَ يُخلَق من ماء الرّجُل الذي يخرج من صُلبه العظم والعَصَب، ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبِها اللحم والدم، وقيل من صُلب الرجل وترائِبِه، ومِن صلب المرأة وترائِبِها. ولم يوضِّح كيف تم الخَلق بهذه الصُّورة.
(ب) جاء في تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري معتمدًا فيه على ما في تفسير الفخر الرازي : أن الدِّماغ مركز الإدراك وخَليفتُه في الجسم النّخاع الشوكيّ المخزون في الصُّلب، والنُّخاع له شُعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم .. ولن يتمَّ اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوّة الحِسِّ عن طَريق الدّماغ والنُّخاع الذي في الصُّلب، وكذلك بوجود زينة المرأة التي يغلب أن تكون على ترائبِها، أي على صدرها؛ ولذا عبّر عن الرّجل بالصُّلب وعن المرأة بالتّرائبِ وهذا فَحوَى كلام الرازي وجوهري، وهو تفسير سطحِي لعملية تكوين الجَنين.

(ج) وجاء في تفسير القاسِمي : أن المني باعتبار أصلِه وهو الدّم يخرج من شيء ممتدّ بين الصلب ـ فقرات الظّهر في الرّجُل ـ والتّرائِب أي عظام صدره، وذلك الشيء الممتد بينهما هو الأبْهر “الأورطى” وهو أكبر شريان في الجسم يخرج من القلب خلف التّرائب ويمتدُّ إلى آخر الصُّلب تقريبًا. ومنه تخرُج عدة شرايين عظيمة، ومنها شريانان طويلان يخرُجان منه بعد شرياني الكُليتَين وينزِلان إلى أسفل البطن حتّى يصِلا إلى الخُصْيتين فيغذِّيانهما، ومن دمِهما يتكوّن المَنِيّ في الخصيتين ويُسَمّيان بشرياني الخُصيتين أو الشريانين المَنويّين، فلذا قال تعالى عن المني (يَخرُج مِنْ بَين الصُّلْبِ والتّرائِبِ)؛ لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبْهر.

(د) هذا بعض ما جاء في كتب التفسير، وهي محاولات لتقريب المعنى إلى المعهود الآن ممّا وصل إليه العلم، ولا شك أن الكشوف العلميّة تتقدّم يومًا بعد يوم، ثم رأينا في أبحاث للمتخصِّصين أن الغُدد التناسليّة في الجنين تكون أصلاً في المنطقة الواقعة بين عِظام الظَّهر “الصّلب” وعظام الصدر “التّرائب” وهذا ما يدلّ عليه قوله تعالى : (يخرج من بَيْن الصُّلبِ والتّرائِبِ) سواء منه الذكر والأنثى، فهي تخلَق في نفس المكان، ولعلّ ما يؤكّد ذلك قوله تعالى : (وإذْ أخذَ ربُّكَ من بَني آدَم مِنْ ظُهورِهم ذُرِّيَّتَهُمْ)، فكلمة “بني آدم” تشمَل الذَّكر والأنثى، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصِّين، وبخاصّة فِي عِلم الأجِنّة.