يقول فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف ـ أحد علماء مصر بقوله :
هذا الكتاب مما لُبِّس فيه الحق بالباطل، وهو كتاب يدعو إلى الزيغ والضلال، لا إلى الهداية والرشاد، وعفا الله عنا وعن كاتبه، وفي هذه الإجابة السريعة أبين أن كتاب الفتن لأبي عبد الله نعيم بن حماد، كتاب جُرِّح صاحبه عند أهل الحديث بسببه، ولا يقبل، وأما باقي الكتب فهي تحوي من الأحاديث ما يقبل وما لا يقبل عند أهل هذا العلم.
ولقد أتى هذا المؤلف بأحاديث مجملة وهي صحيحة، عن بعض الأمور الغيبية التي أشار إليها النبي ـ ﷺ ـ، مثل حديث حذيفة أنه حدثهم يومًا حديثًا طويلاً عما هو كائن، ثم يقول حذيفة: فحفظنا ما حفظناه ، وجهلنا ما جهلناه.
فإذا كان حفظ من حفظ ما قال النبي ـ ﷺ ـ، و نسي من نسي، فما دليل ذلك على التفاصيل التي أوردها في ورقة لا نعلم لها قدمًا من ساق، ولا وجهًا من ظهر ؟! فما سند هذه الورقة؟! ولماذا ظهرت في هذه الأيام تحديدا ؟!
والمتتبع لأحاديث رسول الله ـ ﷺ ـ في الصحاح وكتب السنة وغيرها من الدواوين المعتمدة عند أهل الحديث، لا يجد أحاديث مفصلة على مثل ما جاء في هذه الورقة السحرية العجيبة، التي تحدد اسم الشخص واسم والده، وتبين صفة عينه ولون بشرته.
إننا نرى دائمًا أحاديث رسول الله ترشدنا في أمور الغيبيات إلى إجماليات، ويأمرنا بأن نتعامل معها كأنها واقع حالاً، فكان يقول : يا أبا هريرة إذا لقيت ابن مريم فأقرئه مني السلام، وكان يقول عن الدجال: فإن يظهر وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيجكم، وإن يظهر بعدي فكل حجيج نفسه.
وعلامات الوضع والكذب الصريح على رسول الله واضحة في هذه الورقة التي لا يصدق نسبها لرسول الله إلا رجل أبله، مختل العقل، لا يفقه شيئًا عن الأحاديث وضوابط روايتها.
ومن الأمور المهمة التي أحب أن أشير إليها الآتي:
1- أن الإسلام حين يحدثنا عن الغيبيات يأتي حديثه عنها دائمًا في صفات مجملة.
2- الإخبار عن الغيبيات إنما هو تحذير وتنبيه للأمة جميعا ؛ لتبقى الأمة في يقظة للحفاظ على دينها ، والحذر من عدوها.
3- أن أي أمر غيبي يجب ألا يدعو إلى السكون والراحة والدعة، بل يدعو إلى مزيد العمل لمنع شر يأتي، فإن النبي ـ ﷺ ـ يقول: “إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة يريد أن يغرسها، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.
أما أن ننظر إلى حديث الغيبيات مثل الحديث الصحيح أن الفرات ينحصر عن كنز من ذهب فيقتتل الناس، فمحاولة تأويل البعض لهذا الحديث على ما حدث بين العراق والكويت تأويل لا يوافق نص الحديث، وبالتالي يجب على المسلمين ألا يلووا أعناق الآيات والأحاديث لفهم الواقع الذي يعيشون فيه.
4- أن أحاديث الغيبيات يجب أن يتحرى الإنسان الدقة في معرفتها، فتؤخذ من كتب الأئمة الثقات شأنها في ذلك شأن باقي أحاديث النبي ـ ﷺ ـ.
5- أننا نعرف بأننا أمة السند، أي إن الكلام لا يصير عندنا دليلا إلا إذا روي بسند متصل من الراوي إلى حضرة النبي ـ ﷺ ـ، وهذه الورقة العجيبة النادرة التي وجدت في مكتبة بإستانبول ليس لها قدم تقف عليها، بل جميع علامات الوضع ظاهرة فيها.
6- أن كلمة هرمجدون لم تعرف إلا في الكتب اليهودية، وهو العهد القديم الذي يسمونه، وهو كتاب نعلم أنه قد دخل عليه من التحريف ما كشف عنه القرآن العظيم “يحرفون الكلم عن مواضعه” “ويشترون به ثمنًا قليلاً”.
7- أما السعي لتحديد عمر ومدة وزمان هذه الأمة، ما هو الأساس الذي يستند إليه مع أن القرآن منذ أنزل قال: “اقتربت الساعة وانشق القمر“، والنبي يقول: “بعثت في نفس الساعة”، وفي حديث آخر: “بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى” وقال : “إن كادت لتسبقني. فمن أين حددوا المدة بألف أو بألفين أو بثلاث أو بأي عدد من السنوات؟! أم أنهم أيضًا في هذا التحديد تأثروا بالفكر التوراتي الذي يخبر أن الدنيا سبعة آلاف عام؟! أم بفكر الدجالين الذين جمعوا الحروف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن الكريم وعملوا على طريقة المنجمين في احتساب ما لديهم لكل حرف؟!
8- ومن العجب أيضًا أن كثيرا من الناس ينظرون إلى القضية الفلسطينية والدائر بيننا وبين اليهود بما ورد في صدر سورة الإسراء، أعني قوله تعالى: “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين”، وواقع الأمر أن أهل التفسير جلهم على أن الكتاب هذا هو ما أنزل على موسى بن عمران عليه السلام من التوراة، وينسون أن الآيات التي في سورة الإسراء تضمنت قوله تعالى: “وإن عدتم عدنا” مع عدم تحديد عدد هذه المرات بما لا يُعلم لأحد.
9- أن الإسلام يربي المسلم على أن يحتاط لنفسه قبل موته، بادروا بالأعمال سبعًا كما قال ـ ﷺ ـ وأخبرنا بسرعة هذا الأمر، ويقول أيضًا: “عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا روى هذا الحديث قال: “إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء”، فقيامة كل واحد منا ونهاية الدنيا له إنما تكون بموته، حيث سيضمه القبر وحيدًا فريدًا يحاسب على ما كسبت يداه.
10- أن سبب انتشار مثل هذه الكلمات التي لا تستند إلى دليل شرعي صحيح، ويلبس فيها الباطل بالحق، إنما هو كثرة الجهل (قلة العلم) كما أخبر النبي ـ ﷺ ـ أنه علامة من العلامات الغيبية التي ستكون في الأمة.
ولذا ننصح المسلمين بفهم كتاب ربهم وسنة نبيهم من الأئمة الأعلام والعلماء الكرام الذين اشتهروا في الأمة بالعلم والثقة، حتى يتعرفوا على حقيقة الأمور فلا يقعوا ضحية لتضليل المضللين ، وتزوير المزورين.