السنة مبينة للقرآن وشارحة له:

تعهد الله تعالى بحفظ القرآن، وكان من رحمته أن قيد للسنة من يحفظها ويحميها، فقام أهل الحديث على مر العصور على تمييز الصحيح من السقيم، وأظهروا العلل والشذوذ، وحكموا على الأحاديث الواردة بالصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع، وألفت كتب في هذا المقام جديرة بالاحترام والتقدير، وهي تدل على مدى اهتمام علماء الإسلام بأقوال نبيهم، ومدى حبهم له، بل إن مناهج البحث العلمي الموجود الآن لترجع أصولها إلى عمل المحدثين، فيعد عمل أهل الحديث مفخرة للمسلمين .

يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق رئيس لجنة تحقيق التراث الإسلامي – رحمه الله تعالى – :
بالرغم من أن البلوى كانت على هذا النحو عظيمة في وضع الأحاديث فإن الله الرحمن الرحيم بهذه الأمة المحمدية كما حفظ عليها قرآنها كذلك حفظ عليها سنة نبيها وذلك أن السنة مبينة القرآن وشارحته “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم”، ولذلك لما قيل للإمام عبد الله بن المبارك “هذه الأحاديث الموضوعة” قال: يعيش لها جهابذة “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

وقال الإمام ابن الجوزي: لما لم يمكن أحد أن يدخل في القرآن ما ليس منه أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه ما لم يقل فأنشأ الله علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح وما أخلى الله منهم عصرا من الأعصار غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب، وبالفعل فقد كان حملة الحديث هم حماة الدين حقا وجهابذة الأمة صدقا.

قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض، وذكر الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ أن هارون الرشيد أخذ زنديقًا، ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفًا حرفًا، نعم لقد نشأ في الأمة الإسلامية علماء الحديث الذين كانوا جبالاً في الحفظ وأوعية عظيمة للعلم لم تعرف أمة قط مثلهم حفظًا وتدقيقًا ونقدًا وتمييزًا للأخبار وتفتيشًا وراء كل كلمة حتى يعرف مخرجها والناطق بها، وهذا من خصوصيات هذه الأمة المرحومة.

ومن أجل ذلك عمد المحققون من المحدثين في كل عصر إلى تخليص حديث النبي مما انتحله الوضاعون وافتراه الكذابون أو أخطأ فيه المغفلون الجاهلون وقد كان عملهم في هذا الصدد موجها في السبل الآتية:

الخطوات التي اتبعها علماء الحديث من أجل حفظ السنة:

أ- وضع القواعد وتنظيم أعظم علم عرفته البشرية في نقد الأخبار وتمحيصها وتحقيقها وهو ما يعرف بعلم مصطلح الحديث.

ب- جمع ما صح من أحاديث النبي صلى الله علبه وسلم في كتب مستقلة كما فعل مالك بن أنس في الموطأ والبخاري ومسلم في صحيحيهما.

ج- تعقب المؤلفين المشهورين الذين تساهلوا في نقل الأحاديث وأوردوها في مؤلفاتهم سواء كانت مؤلفاتهم في التفسير أو الفقه أو المواعظ والحكم أو الحديث كما فعل ابن حجر في كتاب الكشاف للزمخشري وهو تفسير مشهور فجاء ابن حجر فخرج أحاديثه، وكما فعل الحافظ العراقي في إحياء علوم الدين حيث خرج الأحاديث الواردة فيه وبين درجة كل حديث في كتابه المسمى “المغني عن حمل الأسفار في الأسفار”، وكما فعل ابن حجر العسقلاني في كتابه” تلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير” وكما فعل الحافظ الزيلعي في كتابه “نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية.
والهداية كتاب في الفقه الحنفي، وكما فعل شيخنا ناصر الدين في كتاب تخريج فقه السنة لسيد سابق، وفقه السيرة لمحمد الغزالي وغير ذلك من الكتب المشهورة.

د- تصنيف معاجم مستقلة للضعفاء والمتروكين والكذابين للتحذير منهم وبيان مرتباتهم وما أخطئوا فيه، ومن أشهر ما ألف في ذلك كتاب “الضعفاء” للبخاري، و”الضعفاء والمتروكون” للنسائي، و”الضعفاء والمتروكون” لابن السكن، وكذلك للحافظ البرقي ولأبي حاتم البستي والعقيلي، وكتاب الكامل لابن عدي و”الضعفاء والمتروكون” لابن الجوزي، و”ميزان الاعتدال في نقد الرجال” للذهبي، وكذلك كتب العلل التي تتبعت الأحاديث التي ظاهرها الصحة وباطنها المرض والضعف وقد ألف في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وأبو بكر بن الأثرم، والدارقطني وكثيرون آخرون.

كتب ومصنفات أفردت الأحاديث الموضوعة بالتأليف:

وهذه كثيرة جدًا ومن أشهرها: الأباطيل لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الهمداني الجوزي المتوفى سنة 543 هجرية، والموضوعات الكبرى لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجرية، واللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لمحمد بن يوسف الدمشقي المتوفى سنة 942 هجرية، وهذا العنوان نفسه للشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة لابن عراق المتوفى سنة 963 هـ، والأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة لشيخنا محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى -.