الإسلام جعل للابن متى بلغ عاقلا ذمة مالية مستقلة عن ذمة والده يصير بها أهلا لجميع التصرفات، وعلى هذا فإذا اقترض الأب من ابنه شيئا فعليه أن يقضي ما عليه من الدين، وللابن أن يطالبه، متى كان الأب غير محتاج للنفقة عليه.

يقول فضيلة الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:

الجواب على هذا الموضوع يقتضي توضيح ثلاثة أمور:
أولها: أن الأبناء حين يبلغون قادرين على الكسب تصير لكل منهم ذمة مالية مستقلة عن آبائهم شرعاً، إليها ترجع الحقوق لهم وعليهم، ومن خلالها يتعاملون مع غيرهم سواء كان هذا الغير قريباً أم أجنبياً، وسواء كان القريب أباً أو أخاً أو عماً.

ثانيهما: إن علاقة الآباء بالأبناء قائمة على العطف والمرحمة، فلا يوجد في الحياة أرحم على الإنسان من أبيه وأمه، فقد قال الشاعر القديم في نظرته لأبنائه:
أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض

ولقد بلغت صفة الرحمة في رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغاً عظيماً حتى وسعت رحمته أعداءه الذين ظلوا الدهر كله يؤذونه ويكيدون له ويدبرون الخطط لقتله والتخلص منه، ومع ذلك قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. بل لم يجد الشاعر المسلم أبلغ في مدحه صلى الله عليه وسلم بالرحمة إلا أن يصفه بالأب والأم لما جبلا عليه من الرحمة حيث قال:
فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء.

الأمر الثالث: إن نظرة الأب لأبنائه ينبغي أن تكون قائمة على المساواة بينهم، سواء كان ذلك في الميل القلبي أو العطاء المادي دون تفضيل لأحدهم على الآخر إلا ما كان لأولاده سبب فيه، بأن كان أحدهم أكثر عطفاً على أبيه، فمثل هذا الابن يحفر له في قلب أبيه مكاناً عميقاً يستقر فيه دون اختيار من الأب في ذلك، ومع ذلك ينبغي أن يجتهد الأب حتى يجعل ذلك قاصراً على القلب دون مظهر خارجي حتى لا يكون ذلك سبباً في حقد بعضهم على بعض كما حدث بين يوسف عليه السلام وإخوته.

بعد إيضاح هذه المبادئ الثلاثة نقول: من حق الإبن أن يطالب أباه بما أخذه من مال على سبيل الدين؛ لأنه نتيجة جهد وعرق بذل من الإبن، ولم يكن الوالد في حاجة إلى معونة لكي يعيش منها، لكن يجب أن تكون المطالبة بالرفق مع النفس الطويل، واختيار الوقت المناسب مع الاستعانة بأقرب الناس إلى الوالد للتأثير عليه.

ونقول للوالد: إن ابنك صارت له ذمة مالية مستقلة عنك، وقد سلم إليك المبلغ بصفة أمانة، وإضاعة هذا المبلغ عليه فيه إجحاف به؛ فإن لم يتوفر لديك هذا المبلغ نقداً، ولا تستطيع رده، فاكتب له به بعض الأسهم الخاصة به في المنزل مثلا تفي بقيمة هذا المبلغ.
والله أعلم