أولاد المشركين الذين ماتوا صغارا ، هم في الجنة بإذن الله ، فإن الله لا يكلف المرء إلا بعد بلوغه ،فإذا مات قبل البلوغ ، لم يحاسبه الله تعالى .

إن أولاد أهل الكتاب وغيرهم من أهل الشرك والملل المختلفة مشمولون بقوله صلى الله عليه وسلم:(كل مولود يولد على الفطرة…الحديث)(رواه الشيخان)،فهم في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ لكونهم ماتوا قبل التكليف الشرعي،ويؤيد هذا حديث سمرة بن جندب في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات صباح:(إني أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ..انطلق وإني انطلقت معهما ..وقص رؤياه التي رآها صلى الله عليه وسلم في ليلته إلى أن قال: فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قط، قلت ما هذا وما هؤلاء؟قالا أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة فقال بعض المسلمين:يا رسول الله وأولاد المشركين؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:وأولاد المشركين … الحديث)، وهي رؤيا منامية رآها النبي صلى الله عليه وسلم ورؤياه وحي وحق كما هو معلوم.

أما في الدنيا فيجري عليهم حكم آبائهم، فقد سئل النبي صلــى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون(أي يهاجمون ليلا) فيصاب من نسائهم وذراريهم قال:هم منهم(رواه الشيخان)، وقوله صلى الله عليه وسلم:هم منهم،أي في الحكم والمعاملة لا في الكفر فليس المراد بإباحة قتلهم تعمدا وقصدا إليهم،بل المراد إذا لم يكن الوصول إلى المشركين إلا بقتل أولادهم ونسائهم جاز ذلك لتعذر الفصل بينهم وبين أبنائهم،ولا يستلزم من إباحة قتل أولاد المشركين بالشرط المذكور أن يكونوا معهم في الآخرة ويجري عليهم حكم آبائهم بالخلود في النار،فعذاب الله في الدنيا يشمل الكافر والمؤمن كما قال عز وجل: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)،وفي الآخرة يبعث كل عبد على ما مات عليه ويجازى بنيته،كما أفاده حديث عائشة في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم قلت يا رسول الله يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال:يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم.

وأما حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال:الله أعلم بما كانوا عاملين فلا يعارض ما مضى من الحديث ولا يفيد عن مصير أولاد المشركين شيئا، وكل ما فيه أنه وكل العلم بعملهم ـ لو عاشوا ـ إلى الله عز وجل، وهذه حقيقة ثابتة بالنسبة لكل إنسان، فكل مولود يعلم الله منه ما هو عامل في حياته من خير وشر، بل إن الله عز وجل عالم بما سيعمله الإنسان وهو لا يزال جنينا في بطن أمه كما أفاده حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد..الحديث(رواه الشيخان).
والله عز وجل لا يجازي الإنسان بما علمه منه وإنما يجازيه بعمله،والحديث يفيد أن أولاد المشركين لو عاشوا لكان مصيرهم مرهونا بعملهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . وهذا هو القانون الإلهي الذي وضعه الله لعباده كافة وليس لأولاد المشركين خاصة. انتهى