المسلمون جميعا عليهم القيام بواجب النهي عن المنكر، والسكوت عنه إثم عظيم، وتغيير المنكر يكون باليد لأولي الأمر والسلطان، ويكون باللسان لذوي الفصاحة والبيان، ثم يكون الإنكار بالقلب الذي لا يقبل الله أقل منه.

يقول الدكتور محمد البهي : عميد كلية أصول الدين الأسبق – رحمه الله-:

إذا كان الإسلام يرى أن للفرد شخصية مستقلّة تتحمل نتائج عملها، كما يذكر القرآن في قوله ـ تعالى ـ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ومَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ للعَبِيدِ) (فصلت: 46). ـ إلا أنه يرى من جهة أخرى أن على المؤمنين جميعًا مسؤولية تضامنيّة جماعيّة إزاء سيادة مبادئه في الأمة وصلاح حالِها واستقامة أمرها. وفي الوقت نفسه يربط وعد الله بنصرهم بتطبيق هذه المبادئ في حياتهم، وبالأخصِّ منها: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

نقرأ قول الله تعالى:

(ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز. الذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقامُوا الصّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأَمَرُوا بالمَعْروفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وللهِ عَاقِبةُ الأمورِ) (الحج: 40 ـ 41).

نقرأ هذا فنرى الصلة القويّة بين عهد الله على نفسه بنصر المؤمنين، وبين تنفيذ هؤلاء المؤمنين للمبادئ والواجبات التي تراها رسالة الإسلام ضرورية كوصفهم بالإيمان بالله، ولا شَكَّ أن تنفيذ هذه المبادئ والواجبات ليس مسؤولية شخص أو مسؤولية أشخاص معيّنين بالذات من بينهم، إنما هي مسؤولية المؤمنين جميعًا. ولذا عبَّر القرآن هنا بصيغة الجمع عنهم.

ومن بين هذه المبادئ والواجبات النهي عن المنكَر، والمنكَر كلُّ ما هو مستقبَح أو مؤذٍ في التصرُّفات والسلوك.

ومن الطبيعي أن يَنْهَى كلُّ فرد نفسَه عن اقتراف المنكر وأن يحول بين وقوعه.

ولكن إذا وقع من فرد على آخر أو على آخرين، أو وقع من الشخص نفسه على نفسه… فإن الشعور في الأمة بالمسؤولية الجماعية يقضي أولاً بالحيلولة دون وقوعه مستقبلاً ثم بتلافي أثره عندما يقع.

وهنا نفهم ما يُذكر أنه ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله:

“مَن رأى منكم منكَرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان”.

وتغيير المنكر باليد هو إزالة له والوقوف دون تَكراره. وذلك يكون أولاً من أصحاب الولاية العامة كرجال النِّيابة في المجتمع المعاصر وكذلك من أصحاب السلطة التنفيذية فيه.

أما تغييره باللسان فبالتنديد به أو بمطالبه ولي الأمر بإزالته وذلك شأن أصحاب القلم في المجتمع أو أعضاء الهيئات الاستشارية فيه.

بينما تغييره بالقلب يكون بعدم الرضاء عنه ومقاطعة مَن يأتي به وعدم التعاون معه.

فإذا لم يقع تغيير المنكَر في الأمة على نحو من هذه الأنحاء تأثَم الأمة جميعها وفي مقدّمة أفرادها أصحاب الولاية العامة وأصحاب الرأي فيها.

ومادام هناك مجتمع وهناك دولة فيه فالأمر يقضي بإزالة المنكَر في الأمة كما ذكرنا وليس بمباشرة الأفراد أنفسهم كل بأسلوبه الخاص. وإلا وقعت الفوضى وربّما جرَّت إلى فتنة تكون آثارها على الأمر شرًّا من بقاء المنكر لفترة ما، حتى تتمَّ إزالته:

(واتَّقُوا فتنةً لا تُصيبَنَّ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصّةً واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ) (الأنفال: 25).