الأصل أن من ادعى على أخيه شيئا فإنه يطالب بالبينة ، ولا تقبل دعواه دون بينة؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله قال : (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم: ولكن اليمين على المدعى عليه).

فإذا لم تكن معه بينة فإن على المدعى عليه أن يحلف على كذب المدعي وتبرئة نفسه (وهذا خاص بالأموال والعروض، ولا يجوز في دعاوى العقوبات والحدود) وليس في هذا ما يضير المدعى عليه فإنه إن كان صادقا فلن يضره اليمين، وسيقطع يمينه هذا على المدعي ادعاءه، وسيحكم ببراءته.

وإن كان كاذبا فالمفروض أنه سيخشى عذاب الله تعالى ولن يحلف كذبا.

وهذا الذي يستعظمه البعض على المدعى عليه يستقله المدعي الصادق الذي لا بينة عنده فقد جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي . فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال رسول الله للحضرمي “ألك بينة!” قال: لا. قال “فلك يمينه” قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه. وليس يتورع من شيء. فقال: “ليس لك منه إلا ذلك” فانطلق ليحلف؛ فقال رسول الله لما أدبر “أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقين الله وهو عنه معرض” رواه مسلم في صحيحه .

ماذا لو رفض المدعى عليه اليمين:

جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق – رحمه الله – :-

إذا عرضت اليمين على المدعى عليه لعدم وجود بينة المدعي فنكل ولم يحلفها اعتبر نكوله هذا مثل إقراره بالدعوى ، لأنه لو كان صادقا في إنكاره لما امتنع عن الحلف . والنكول يكون صراحة أو دلالة بالسكوت . وفي هذه الحال لا ترد اليمين على المدعي فلا يحلف على صدق الدعوى التي يدعيها ، لأن اليمين تكون على النفي دائما ، ودليل ذلك قوله ” البينة على المدعي واليمين على من أنكر ” . وهذا مذهب الأحناف وإحدى الروايتين عن أحمد .

وعند مالك والشافعي والرواية الثانية عن أحمد : أن النكول وحده لا يكفي للحكم على المدعى عليه ، لأنه حجة ضعيفة يجب تقويتها بيمين المدعي على أنه صادق في دعواه وإن لم يطلب المدعى عليه ذلك ، فإذا حلف حكم له بالدعوى وإلا ردت . ودليل ذلك أن النبي رد اليمين على طالب الحق . ولكن في إسناد هذا الحديث (مسروق) وهو غير معروف . وفي إسناده (إسحاق بن الفرات) وفيه مقال .

وقد قصر مالك هذا الحكم على دعوى المال خاصة . وقال الشافعي : هو عام في جميع الدعاوى .

وذهب أهل الظاهر وابن أبي ليلى إلى عدم الاعتداد بالنكول ،وأنه لا يقضى به في شئ قط ، وأن اليمين لاترد على المدعي، وأن المدعى عليه إما أن يقر بحق المدعي وإما أن ينكر ويحلف على براءة ذمته .

هل تقبل اليمين بعد النكول:

رجح هذا الشوكاني فقال :
” وأما النكول فلا يجوز الحكم به ، لأن غاية ما فيه أن من عليه اليمين بحكم الشرع لم يقبلها ويفعلها ، وعدم فعله لها ليس بإقرار بالحق ، بل ترك لما جعله الشارع عليه بقوله .
ولكن اليمين على المدعى عليه فعلى القاضي أن يلزمه بعد النكول عن اليمين بأحد أمرين : إما اليمين التي نكل عنها أو الإقرار بما ادعاه المدعي ، وأيهما وقع كان صالحا للحكم به ” . انتهى.

وأما قول : ( هل يحق له تحليفي دون بينة على دعواه؟) فاعلم أنه لو كانت له بينة على دعواه لحكم له بمقتضاها ولما احتاج إلى تحليفك أصلا.