لا يجوز القذف واللعان إلا عند التأكد التام بالرؤية أو غلبة الظن جدا كما سنبين، خاصة إذا خاف نسبة ولد الزنا إليه ، وإذا لم يسفر الزنا عن حمل فالأفضل له أن يطلقها سترا عليها دون لعان.

والزوجة التي تخون زوجها فيما دون الزنا لها كافة الحقوق، ولا يجوز لعانها ؛ إنما اللعان في الزنا.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة :

….القذف على ثلاثة أضرب :

الأول :  واجب , وهو أن يرى امرأته تزني في طهر لم يطأها فيه , فإنه يلزمه اعتزالها حتى تنقضي عدتها , فإذا أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا , وأمكنه نفيه عنه , لزمه قذفها , ونفي ولدها ; لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزاني , فإذا لم ينفه لحقه الولد , وورثه , وورث أقاربه , وورثوا منه , ونظر إلى بناته وأخواته , وليس ذلك بجائز , فيجب نفيه لإزالة ذلك . ولو أقرت بالزنا , ووقع في قلبه صدقها , فهو كما لو رآها .

الثاني – أن يراها تزني , أو يثبت عنده زناها , وليس ثم ولد يلحقه نسبه , أو ثم ولد لكن لا يعلم أنه من الزنا , أو يخبره بزناها ثقة يصدقه , أو يشيع في الناس أن فلانا يفجر بفلانة , ويشاهده عندها , أو داخلا إليها أو خارجا من عندها , أو يغلب على ظنه فجورها , فهذا له قذفها ; لأنه روي عن عبد الله , { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا , فتكلم جلدتموه , أو قتل قتلتموه , أو سكت سكت على غيظ . فذكر أنه يتكلم أو يسكت , ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم . } ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على هلال والعجلاني قذفهما حين رأيا . وإن سكت جاز , وهو أحسن ; لأنه يمكنه فراقها بطلاقها , ويكون فيه سترها وستر نفسه , وليس ثم ولد يحتاج إلى نفيه .

الحال الثالث , محرم , وهو ما عدا ذلك , من قذف أزواجه والأجانب ; فإنه من الكبائر , قال الله تعالى : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم , فليست من الله في شيء , ولن يدخلها الله جنته , وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه , احتجب الله منه , وفضحه على رءوس الأولين والآخرين } . رواه أبو داود . قوله : ” وهو ينظر إليه ” . يعني يراه منه , فكما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم , حرم على الرجل جحد ولده .

ولا يجوز قذفها بخبر من لا يوثق بخبره ; لأنه غير مأمون على الكذب عليها , ولا برؤيته رجلا خارجا من عندها من غير أن يستفيض زناها ; لأنه يجوز أن يكون دخل سارقا , أو هاربا , أو لحاجة , أو لغرض فاسد , فلم يمكنه , ولا لاستفاضة ذلك في الناس من غير قرينة تدل على صدقهم ; لاحتمال أن يكون أعداؤها أشاعوا ذلك عنها . وفيه وجه آخر , أنه يجوز ; لأن الاستفاضة أقوى من خبر الثقة . ولا بمخالفة الولد لون والديه أو شبههما , ولا لشبهه بغير والديه ; لما روى أبو هريرة قال : { جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي جاءت بولد أسود . يعرض بنفيه , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك من إبل ؟ قال : نعم . قال : فما ألوانها ؟ . قال : حمر . قال : هل فيها من أورق ؟ . قال : إن فيها أورق . قال : فأنى أتاها ذلك ؟ قال : عسى أن يكون نزعه عرق . قال : فهذا عسى أن يكون نزعه عرق } . قال : ” ولم يرخص له في الانتفاء منه . متفق عليه . ولأن الناس كلهم من آدم وحواء , وألوانهم وخلقهم مختلفة , فلولا مخالفتهم شبه والديهم , لكانوا على خلقة واحدة , ولأن دلالة الشبه ضعيفة.

ودلالة ولادته على الفراش قوية , فلا يجوز ترك القوي لمعارضة الضعيف , ولذلك لما تنازع سعد بن أبي وقاص , وعبد بن زمعة , في ابن وليدة زمعة , ورأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه شبها بينا بعتبة , ألحق الولد بالفراش , وترك الشبه . وهذا اختيار أبي عبد الله بن حامد , وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي . وذكر القاضي , وأبو الخطاب , أن ظاهر كلام أحمد , جواز نفيه . وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ; لقول النبي  صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان : { إن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين , فهو للذي رميت به . فأتت به على النعت المكروه , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا الأيمان , لكان لي ولها شأن } . فجعل الشبه دليلا على نفيه عنه , والصحيح الأول . وهذا الحديث إنما يدل على نفيه عنه , مع ما تقدم من لعانه ونفيه إياه عن نفسه , فجعل الشبه مرجحا لقوله , ودليلا على تصديقه , وما تقدم من الأحاديث يدل على عدم استقلال الشبه بالنفي , ولأن هذا كان في موضع زال الفراش , وانقطع نسب الولد عن صاحبه , فلا يثبت مع بقاء الفراش المقتضي لحوق نسب الولد بصاحبه .

وإن كان يعزل عن امرأته , فأتت بولد , لم يبح له نفيه ; لما ذكرنا من حديث جابر وأبي سعيد . وعن أبي سعيد , أنه قال : يا رسول الله , إنا نصيب من النساء , ونحب الأثمان , أفنعزل عنهن ؟ قال : { إن الله إذا قضى خلق نسمة خلقها } . ولأنه قد يسبق من الماء ما لا يحس به فتعلق . وأما إن كان لا يطؤها إلا دون الفرج , أو في الدبر , فأتت بولد , فذكر أصحابنا أنه ليس له نفيه ; لأنه لا يأمن أن يسبق الماء إلى الفرج فيعلق به . وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . وهو بعيد ; لأنه من أحكام الوطء في الفرج , فلا يتعلق بما دونه كسائر الأحكام , ودلالة عدم الوطء في الفرج على انتفاء الولد أشد من دلالة مخالفة الولد لون والديه .

فأما إن وجد أحد هذه الوجوه التي ذكرنا مع الزنا , ويحتمل كونه منه أو من الزاني , مثل إن زنت في طهر أصابها فيه , أو زنت فلم يعتزلها , ولكنه كان يعزل عنها , أو كان لا يطؤها إلا دون الفرج , لو كان الولد شبيها بالزاني دونه , لزمه نفيه ; لأن هذا مع الزنا يوجب نسبته إلى الزاني , بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بولد امرأة هلال لشريك ابن سحماء , بشبهه له , مع لعان هلال لها , وقذفه إياها . وأما إذا أتت زوجته بولد , فشك فيه من غير معرفته لزناها , فلا يحل له قذفها , ولا لعانها ; لما تقدم من حديث الفزاري . وكذلك إن عرف زناها , ولم يعلم أن الولد من الزاني , ولا وجد دليل عليه , فليس له نفيه ; لأن الولد للفراش وللعاهر الحجر .