يقول الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا-رحمه الله تعالى:

يقول اللّه سبحانه : {وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء :101 ، تفيد هذه الآية أن السفر يبيح للمسافر أن يصلى الصلاة الرباعية ركعتين ، وهذا أمر مجمع عليه ، فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون ، وكل المسلمين فى جميع العصور .

ومع اختلاف العلماء فيما يتحقق به السفر المبيح للقصر، هل هو أي سفر ولو كان قصيرا أو هو السفر الطويل ، وهل هناك تحديد للطول ، مع اختلافهم في ذلك قالوا : متى شرع فى السفر جاز القصر ولو بعد زمن قصير أو مسافة قصيرة جدا من البلد الذى بدأ منه السفر، وقالوا : إن مفارقة البلد تكون بتجاوز مبانيها كلها وتجاوز المرافق الملحقة بها . وهذه المفارقة فيها آراء .

ا – فالشافعية قالوا : لا بد أن يصل إلى محل يُعدُّ فيه مسافرا عرفا ، وابتداء السفر لساكن الأبنية يحصل بمجاوزة سور مختص بالمكان الذى سافر منه إذا كان السور صوب الجهة التى يقصدها المسافر، ومثل السور الخندق والقنطرة ، فإن لم يوجد سور ولا خندق ولا قنطرة فالعبرة بمجاوزة العمران أي المباني ، ومنها المقابر المتصلة بها ، ولو تعددت القرى وهي متصلة في وحدة محلية واحدة فلا بد من تجاوزها كلها ، فإن لم تكن متصلة فالعبرة بمجاوزة القرية التي يسكنها .

هذا ، إذا كان السفر برا ، أما لو كان بحرا فالسفر يبدأ من أول تحرك السفينة من الميناء ، وإذا كانت السفينة تسير محاذية للأبنية فلا يقصر حتى يجاوز الأبنية، ولو كان السفر جوا فلا يقصر حتى تتحرك الطائرة وتجاوز البلد .

2 – والحنفية قالوا : مثل ذلك فى مجاوزة الأبنية، ولم يشترطوا غيابها عن بصره ما دامت المجاوزة قد تحققت ، كما نصوا على مجاوزة المرافق المتصلة بالبلد كالمدافن والملاعب وأمكنة القمامة ، فإن كانت هذه المرافق منفصلة بمزرعة أو فضاء قدره أربعمائة ذراع فلا تشترط مجاوزته . ولم يأت فى فقه المذاهب الأربعة عنهم كلام على السفر فى البحر أو غيره .

3- والمالكية قالوا : لا بد من مجاوزة الأبنية والفضاء الذي حواليها والبساتين المسكونة بأهلها ولو في بعض العام ، بشرط اتصالها بالبلد حقيقة أو حكما بأن كان ساكنوها ينتفعون بأهل البلد . والعِزب المتصلة بالبلد لا بد من مجاوزتها ما دام بين سكانها ارتفاق بأهل البلد، لأنها كبلد واحد .

4 -والحنابلة قالوا : كلاما قريبا من هذا.

وكلها أقوال اجتهادية لا نص فيها، وقد يكون للعرف دخل فى اعتبار السفر قد بدأ أو لم يبدأ . غير أنه روى عن بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو فى بيته ، ولم يوافق أحد من أصحاب المذاهب المشهورة عليه ، لأنه ما دام فى بيته كيف يتحقق السفر، والنية ليست سفرا ، فقد ينوى الإنسان قبل مغادرة البيت أو البلد بيوم أو ساعات طوال .