ما هو معنى الساعة

الساعة ـ وهى انْتهاء الحياة الدنيا، وبعْث الموتى من القبور لحياة أخرى ـ حقٌّ كما أجمعَتْ عليها الكتب والأديان السماوية. وجاءَتْ بِذَلك النُّصوص الكثِيرَة في الكِتاب والسنة. وهى قريبة مهْمَا طال الأمدُ بيْننا وبيْنها؛ لأنَّ كلَّ آتٍ قريب قال تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيَك لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قريبًا) ( الأحزاب : 63 )، ويَكْفي لبيان قُرْبِها انْتِهاء الرِّسالات السماوية برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فَفِي الحديث الذي رواه مسلم ” بُعثْت أنا والساعةُ كهاتين “، وضمَّ السبَّابة والوُسطى. وكل ما يُقال عن تحْدِيد وقْتها ليْس له سند صحيح. قال تعالى ( يَسْألُونَكَ عَنِ السَّاعَة أيَّانَ مُرْساهَا قُل إنَّما عِلْمُهَا عِنْد رَبِّي لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِهَا إلَّا هُو ثَقُلَتْ فِي السَّمَواتِ والأَرْضِ لَا تَأْتِيكُم إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهًا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون ) ( الأعراف : 187 ) والحديث المتَّفق عليه في سؤال جبريل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن السَّاعة مَعْروف حيثُ قال له ” ما المسئول عنها بأعْلم من السائل “.

وعلاماتُ السَّاعة ألِّفت فيها كتب خاصة، وفيها أحاديثُ صحيحة وأخرى غير صحيحة، والعلماء قسَّموا هذه العلامات إلى علاماتٍ صُغْرى وعلاماتٍ كبرى، والصغرى هي التي تَحْدث قبل يوم القيامة بزمَن طويل. وقد حَصَل بعضها في زماننا هذا بل قبل هذا الزمان. ومنها ما ورد في حديث جبريل مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيان ” ومنْها كثْرة الجهْل وقلَّة العلْم وإمَارَة الصِّبيان وكثْرة النساء وقلَّة الرجال حتَّى يكون للخمسينَ امرأة قَيِّمٌ واحد، وكثْرة الزِّنا والرِّبا والفِتَن. وكلُّ ذَلك وردَت به الأحاديث الصحيحة، وقد أوْصلها بعضُ العلماء إلى خَمْسِمَائَةِ علامةٍ.

علامات الساعة الكبرى:

أما علامات الساعة الكبرى التي تَحْدث قربَ قِيام الساعة فقد قال عنها الشيخ النفراوي: إنها عشْر، خمس متَّفق عليها، وهى: خروج الدجَّال، ونُزول سيدنا ابن مريم، وخروج الدَّابة، ويَأْجُوجُ ومَأْجُوج، وطلوع الشمس من مغْربها، وأما الخمس المختلف فيها فهى: خسْفٌ بالمشْرق، وخسْف بالمغرب، وخسْف بجزيرة العرب، ودُخَانٌ باليمن، ونار تَخْرج من قعْر عَدَن تَرُوح مع الناس حيث راحوا وتَقِيلُ معهم حيث قالوا، حتَّى تسوقَهم إلى المحْشر. وقد وَرَدَتْ في صحيح مسلم عن حُذَيْفة بن أُسَيْد الغِفَاري.

وهذه بعض الإيضاحات للخمس المتفق عليها:
(1) المسيخ الدجَّال أو المسيح الدجال:
كانَ النَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستعيذ بالله كثيرًا من فتنَتِه، وجاء في صحيح مسلم أن خروجه هو أو العلامات، وأنَّه يخرج من ناحية المَشْرق، وسَيمْكُث أربعين يومًا يفتن الناس عن الإيمان بالله، يومٌ منْها كسنة، ويومٌ كشهْر، ويومٌ كجُمُعَة، وسائر الأيَّام كالأيَّام العادية، وفي اليوم الذي هو كسنة لا تكفي خمس صلوات، بل يجب أن يُقدَّر كلَّ أربع وعشرين ساعة لخمس صلوات كما في الحديث المذكور ” اقْدُروا قَدْرَه ” وسيقتله سيدنا عيسى عن باب ” لُدٍّ ” كما في صحيح مسلم.
(2) نزول سيدنا عيسى عليه السلام:
يكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، ويقتل الدجال ويحكم بشريعة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويكثر في أيَّامه الخَصْب والبَرَكة، رواه مسلم.
(3) يأجوج ومأجوج:
وهم خَلْقٌ من بني آدَم، قال تعالى ( حتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلون ) ( الأنبياء : 96 ) حيث عادَ عليهم ضميرُ الجمْع للعاقل، ولحديث الصحيحين الذي يأمر الله فيه آدم يوم القيامة أن يُخرِج بعْثَ النَّار، مِنْ كلِّ ألفٍ تِسْعُمَائة وتسعةٌ وتسعون. وما يُقال عن أصْلهم وراء ذلك فلا أصْل له، وقد تحدَّث عنْهم القرآن الكريم في سورة الكهف، حيث بَنَى ذُو القَرْنَيْن سدًّا لمْ يَسْتطيعوا أن يَظْهروه ولا أن يَنْقِبوه حتَّى يَجِيء الوعْدُ الحَقُّ بالقِيامة فيَخْرجُوا. وتَحدَّث عنهم النبيُّ ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ كما ورد في الصحيحَيْنِ بقوله ” وَيْلٌ لِلْعَرَبِ من شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِح اليومَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِه ” وحَلَّقَ بِإصْبعَيْه: الإبْهام والتي تليها. وفي صحيح مسلم أنَّ الله يُخْبِرُ سيدَنا عيسى بخروجهم، وأنهم سيُحاصِرونه هو ومن آمن معه، ثم يُهْلكهم الله، وبعد ذلك يَفِيضُ الخيْر ويُرْسِلُ الله ريحًا تَقْبِضُ أرْواحَ المؤْمِنين وتَتْرُك الكافرين لتَقُومَ علَيْهِمُ السَّاعَة.
(4) الدابة:
هي من دوابِّ الأرْض، قال الله عنها ( وإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُم أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُون ) ( النمل : 82 )، وجاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمْرو بن العاص مرفوعًا ” إنَّ أوَّلَ الآياتِ خُرُوجًا طلوعُ الشَّمس من مغْرِبها، وخروجُ الدَّابَّة ضُحًى، وأيُّهما كانَتْ صاحبتَها فالأخْرى علَى أَثَرِهَا قَرِيبًا “، وفِي حَدِيثه أيْضًا ” بادِرُوا بِالأَعْمَال سِتًّا: الدجَّال، والدُّخَان، ودابَّة في الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمْر العامة، وخُوَيِّصة أحدكم ” وأمْر العامة هو القِيامة، والخُوَيِّصة: تَصْغير خاصَّة والمراد بها الموت.
(5) طلوع الشَّمس من مغربها:
وذَلك يَكُون بعد موت سيدنا عيسى، وقد جاء فيها حديث الصحيحَيْن أنَّ الله يقول لها: ارجِعِي من حيث جئتِ، فتَطْلُع من مَغْربها، فعند ذلك يُغلَق بابَ التَّوْبة، كما تَحدَّث عنْها حَدِيث مُسلم السابق. وكون طلوع الشمس أو خروج الدابَّة أول الآيات يُحتَمل أنه أول الآيات التي تقوم على أثرها الساعة، حيث يُغلَق بابُ التَّوْبة ويُنْفَخ في الصُّور للصَّعْقَة الأولى، ولا يَتَنَافى مع حديثِ أن أول الآيات خروجُ الدجَّال، فأوليَّة خروجه هي بالنسبة لكل الآيات التي تأتي بعد.
تنبيه:
العلاماتُ التي لم تَرِدْ في القرآن بلْ وَرَدَتْ في السنة، أحاديثُها أحاديثُ آحاد في اصطلاح المحدِّثين، أي لم تبْلُغ مبْلَغ التَّوَاتر، وقد اختَلف العلماء في إفادتها العلمَ اليَقِينِي، فَقَال بعضهم تُفيد، وقال بعضهم: لا تفيد إلا الظن، ولذلك اختلفوا في حُكم من أنكرها، أي لم يعْتقد ما جاء فيها، وما دام هناك خلاف فلا يجوز أن يُحكم بالكُفر على مَن أنكرها.
وعلى كل مسلم أن يكون مستعدًّا للقاء الله بعمل الخير ونيَّة الدَّوام عليه، وبالبُعد عن الآثام والعزم على عدم العوْد إليْها، وذلك قبْل أن تفْجَأه السَّاعةُ فَلا يُقْبل منه عمل، بل قبْل أن يَفْجأه الموت، فإن مَن مات فقد قامت قيامته، أي انتهت حياته التَّكْليفية، وذهبَت فرصة العمل، قال تعالى ( إنَّما التَّوْبَة عَلَى الله للذِين يَعْمَلُون السُّوءَ بِجَهَالةٍ ثُمَّ يَتُوبُون مِن قَرِيبٍ فأُولئِك يَتُوبُ الله عَليْهم وكان الله عليمًا حكيمًا . وليْستِ التَّوْبَةُ للَّذِين يَعْمَلُونَ السَّيْئَاتِ حتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ولَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عذابًا أليمًا ) ( النساء : 17، 18 ).