يجب على الزوج أن يلبي حاجات أسرته الضرورية بالمعروف وعلى قدر سعته، كما يجب عليه أن يلبي حاجات أبويه الضرورية إذا كان أبواه فقيرين ، أما أن يقصر في ضروريات أسرته، ويرهق نفسه في كماليات والديه فهذا لا يجوز. لكن للأب أن يأخذ من مال ولده متى شاء بشرط عدم الإضرار به.

يقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى -:-

قال العلماء في مظاهر بِرٍّ الولد بوالديه: لابدَّ من الإنفاق عليهما النّفقة المناسبة من طَعام وكِساء ومَسكن وما إلى ذلك من الضروريات، بشرط أن يكون ذلك في وُسْع الولد، ولا يضُرُّ به ضَررًا واضحًا، فإذا استولَى الوالدان على مال ولدهما لحاجتِهما إليه فلا شَيء فيه بشَرط عدم الضَّرر بالولد، كأن يأخذا ما يَزيد على كفايتِهما، ولا يمكِّنانه من أداء التزاماتِه الخاصّة، وإلا كان على الولد أن يُعطيَهما فقط مِقدار الكِفاية، وهو النفقة الواجبة، ويُبقي لنفسه ما يعيش به مع أسرته.

أخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى أبي بكر ـ رضي الله عنه فقال: إنّ أبي يُريد أن يأخذَ مالي كلّه يَجتاحه، أي لا يُبقي منه شيئًا فقال لأبيه: إنّما لك من ماله ما يَكفيك. فقال: يا خَليفة رسول الله، أليس قد قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ “أنت ومالك لأبيك”؟ فقال: نعم، وإنما يَعني بذلك النّفقة. “تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 66”.

والحديث المذكور رواه ابن ماجة عن جابر، ورواه الطبراني عن سمرة وابن مسعود بسند صحيح، جاء في معجم المغني لابن قدامة الحنبلي” ص2″ أن للأبِ دون غيره أن يأخذ من مال ولده ما يَشاء، ويتملّكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيرًا كان الولد أو كبيرًا، بشرطين: ألا يُجْحِفَ بالابن ولا يضُرُّ به، ولا يأخذ شيئًا تعلّقت به حاجته. وألاّ يأخذَ من مال ولده فيُعطيَه لآخر.

وروى البيهقي في الدلائل والطّبراني في الصّغير الأوسط بسند فيه من لا يعرف عن جابر: أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشكو إليه والده بأنه أخذ ماله، فأرسل خلفه ـ استدعاه ـ فجاءَ إلى النبي وسأله عمّا يقوله ولده فقال: سَلْه، هل أُنفقه إلا على إخوتِه وعمّاته؟ وبعد أن سمع منه أبياتًا “انظر الجزء الخامس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام” قال النبي لابنه “أنتَ ومالُك لأبيك” وجاء في تفسير الزمخشري “الكشاف” أن الولَد غَنِيٌّ، وأن أباه صار عاجِزا يتوكّأ على عصا، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَكَى لمَنظره وأنه قال: “ما مِن حَجَر ولا مَدَرٍ يسمع هذا إلا بَكَى” ولكن مخرّج أحاديث الكشاف قال: لم أجده فالحديث ضعيف.

ولما كان بعض الآباء يتحرّج من أخذ شيء من مال أولاده؛ لأنه مال للغير، جاء النّص الذي يُطيِّب النفس بأخذ ما يحتاج إليه منه، ففي الحديث “إِنَّ أولادَكم من أطيبِ كسبِكم، فكُلوا كَسْب أولادكم” رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه، وهو صحيح ذكره السيوطي في “الجامع الصغير” والبغوي في “مصابيح السنة” وابن القيم في “إعلام الموقعين” وفي زاد المعاد “ج 4 ص 164”.انتهى.

ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس :-

فأما النفقة على الوالِدَيْنِ والمولودِين، أو النفقة على الأصول والفروع فلا خلاف في وجوبها كذلك، فتجب نفقة الوالِدَيْن على أولادهم ذكورًا كانوا أو إناثًا، كما تجب نفقة الأولاد ذكورًا أو إناثًا على والديهم، إذا كان المُستَحِق للنفقة لا مال له ولا كسْبَ يَستَغْنِي به عن إنفاق غيره، وكان للمُنفِق مال ينفق منه عليهم فاضلًا عن نفقته على نفسه، ودليل وجوب نفقة الأصول على فروعهم قول الحق سبحانه: (وبالوالدَيْنِ إحسانًا) وحديث عائشة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إن أطيب ما أكلتُم من كسبِكم، وإن أولادَكم من كسبِكم”، ودليل وجوب نفقة الفروع على أصولهم، قول الله، تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لكُمْ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ)، وحديث هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت: “يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك جُناح؟ فقال: خذي من ماله بالمعروف ما يَكفيك ويكفي بَنِيك.

وأما نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، كالإخوة والأخوات، ونحوهم من ذوي القُرْبى، فإن مذهب جمهور الفقهاء، وُجوب نفقتهم على قريبهم، بالشروط السابقة في نفقة الأصول والفروع، لحديث: “يد المعطي العليا وابدأ بمَن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك”، حيث ذكر ضمن المُعالين الإخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم بقَدْر الكفاية المأكل والمشرب والملبَس والمسكن، مراعًا في ذلك العُرْف وحال المُنفِق والمُنْفَق عليه: وظروف الزمان والمكان.

ويرى جمهور الفقهاء أن هذه النفقة تجب على وجه لا تَصِير به دَيْنًا في ذمة المُنفِق، ومِن ثَمَّ فإنها تَسقُط بمُضِيِّ المُدَّة؛ لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجِزَة، على سبيل المُواسَاة لهؤلاء، فإذا مضت المدة دون دفعها زالت هذه الحاجة فتَسقُط، ويمتنع السقوط بمُضِيِّ المدة، إذا أنفق على القريب شخص غير متبرِّع أو فرضها القاضي على مَن وَجَبَت عليه، وكل هذا يُدَلِّل على عناية التشريع الإسلامي بالترابُط الأسْرِي، وصلة الرحم بين أفراد الأسرة، وشيوع التكافل بينهم، ليَنْصَلِح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسْرِه. انتهى .

وقد قال الشوكاني في تعليقه على حديث أبي هريرة الذي جاء فيه قال { : قال رجل : يا رسول الله أي الناس أحق مني بحسن الصحبة ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أبوك } متفق عليه ولمسلم في رواية { من أبر ؟ قال : أمك } ) . 2980 – ( وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : { قلت يا رسول الله من أبر ؟ قال : أمك , قال : قلت : ثم من ؟ قال : أمك , قال : قلت : يا رسول الله ثم من ؟ قال : أمك , قال : قلت : ثم من ؟ قال : أباك , ثم الأقرب فالأقرب } رواه أحمد وأبو داود والترمذي )

قال الشوكاني عند هذا الحديث :-

و فيه دليل على وجوب نفقة الأقارب على الأقارب , سواء كانوا وارثين أم لا , وفي الحديث دليل على أن القريب الأقرب أحق بالبر والإنفاق من القريب الأبعد وإن كانا جميعا فقيرين حيث لم يكن في مال المنفق إلا مقدار ما يكفي أحدهما فقط بعد كفايته .انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-

تجب نفقة الوالدين على الأولاد , ونفقة الأولاد على الوالدين باتفاق , وكذلك تجب للأجداد والجدات والأحفاد عند الحنفية والشافعية والحنابلة , وقصرها المالكية على الوالد والولد فقط ; لأن الجد ليس بأب حقيقي وكذلك ولد الولد . أما بقية الأرحام غير الأصول والفروع , فلا تجب لهم نفقة ولا تلزمهم إلا عند الحنفية والحنابلة , غير أن الحنفية أوجبوها لذي الرحم المحرم دون غيره , وتوسع الحنابلة في ذلك فأوجبوها لكل وارث , وفي غير الوارث روايتان , هذا إن كانوا من غير ذوي الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب , فإن كان منهم فلا تجب له نفقة , ولا تلزمه إلا عند أبي الخطاب من الحنابلة عند عدم العصبة وأصحاب الفروض .