روى أبو داود بسند ـ حسنه الشيخ الألباني ـ من حديث عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال : (ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر ،والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ).

وتأخير الجنب الذي لا يترتب عليه تضييع الصلاة فهو ليس بحرام، ولكنه مكروه.

وقال الحافظ المناوي في بيان الجنب في الحديث: الجنب الذي اعتاد ترك الغسل تهاوناً به حتى يمر عليه وقت صلاة ولم يغتسل لاستخفافه بالشرع ومن امتنع عن عبادة ربه وتقاعد عنها فهو ملحق بمن عبد غير اللّه تغليظا لأن الخلق إنما خلقوا لعبادته، فليس المراد أي جنب كان لما ثبت أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كان ينام جنباً، ويطوف على نسائه بغسل واحد، وزعم أن المراد بالجنب من زنا: بعيد من السياق، وتقييد للإطلاق بلا دليل.

وقيل: الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءاً كاملاً، وقيل: هو الذي يتهاون في غسل الجنابة، فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة، ويحتمل أن يراد الجنب الذي لم يستعذ باللّه من الشيطان عند الجماع، ولم يقل ما وردت به السنة: اللّهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن لم يقله يحضره الشيطان، ومن حضرته الشيطان تباعدت عنه الملائكة. أهـ

وأما حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب) فقد ضعَّف الشيخ الألباني الرواية التي فيها كلمة جنب؛ لأن في إسناده مجهولاً،، وأما حديث الصورة والكلب فصحيح.

وقال الخطابي: (المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال، ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله).
وقال السندي في حاشيته على النسائي :
هو محمول على ملائكة الرحمة والبركة لا الحفظة، فإنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره . وحمل الجنب على من يتهاون بالغسل، ويتخذ تركه عادة، لا من يؤخر الاغتسال إلى حضور الصلاة، وأشار المصنف بالترجمة إلى أن المراد من لم يتوضأ. انتهى.
ومراد السندي بالترجمة أن النسائي أورد هذا الحديث تحت عنوان : (الجنب إذا لم يتوضأ)

ولكن… ما السبب للذي علم من العلماء أن يحملوه على الجنب المفرط المتهاون دون غيره مع أن الحديث جاء عاما يشمل كل جنب؟

يقول السندي مجيبا على ذلك:
فإن النبـي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، ويطوف على نسائه بغسل واحد، ورخص في النوم بوضوء فلا بد من تخصيص في الحديث.
وحمل الكلب على غير كلب الصيد والزرع ونحوهما وأما الصورة فهي صورة ذي روح قيل: إذا كان لها ظل وقيل: بل أعم، ومال النووي إلى إطلاق الحديث لكن أدلة التخصيص أقوى وأظهر .انتهى.

وعلى هذا .. فالأليق بالجنب أن يتوضأ اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الوضوء حكمة ذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
جمهور العلماء: المراد بالوضوء هنا الشرعي، والحكمة فيه أنه يخفف الحدث، ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال ” إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة ” وقيل: الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين، فعلى هذا يقوم التيمم مقامه.
وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم،

ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، وقيل الحكمة فيه أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل.

وأما عن كيفية غسله بعد الموت فإنه يغسل غسلا واحدا عند جماهير أهل العلم.