ذُكِرَ اسْتِوَاءُ اللهِ على الْعَرْشِ في عِدَّة مَوَاضِعَ من القرآن الْكَريم ويَحْتَاج الأَمْرُ إلى بيان المُرَاد من الْعَرْشِ، والمُرَاد من الاسْتِوَاء، ونِسْبَة ذلك إلى الله سبحانه، فالعَرْش لفظ مشترك يُطْلَق على أَكْثَر من مَعْنَى، فَهو بمعنى سَرِيرِ الْمُلْكِ، قال تعالى ( نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ) ( النمل : 41 ) وقال تعالى ( وَرَفعَ أَبَوَيْه عَلَى الْعَرْشِ ) ( يوسف : 100 ) وهو بمعنى سَقْف الْبَيْتِ، وبمعنى المُلْك والسُّلْطَان .

والاستواء هو الاستقرار، واستوى إلى السماء أي قصد، واستوى أي استولى، واستوى أي اعتدل، واستوى أي عَلا وارتفع .

واستواء الله على العرش فيه أربعةَ عشرَ قوْلًا، كما قال القُرْطبي في كتابه ” الكتاب الأَسْنَى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العُلا ” والأكثر من المُتَقَدِّمين والمُتَأَخِّرين يُنَزِّهُون الله عن الجِهَة والتَّحَيُّز؛ لأنَّ ذلك من صفات الحوادث، فيُؤَوِّلون استواء الله على العرش بالمُلْك والسلطان، يقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف أو دم مُهَراق
وإذا كان في الاستواء على العرش علوّ فهو علوّ مكانة ومنزلة ومَجْد، وليس علوّ مكان، إن التأْويل في مِثل هذه الآيات المُشْتَبهات هو مذهب الخَلَف، أما السَّلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى من الهجرة فلا يُؤَوِّلون، ويُثْبِتُون الجهة لله، كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم يُنْكِر أحد منهم أنه استوى على عرشه حقيقة، وخصَّ العرش بذلك؛ لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جَهِلوا كيفية الاستواء، فلا يعلم حقيقته إلا اللهُ، يقول الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ : الاستواء معلوم ـ يعني في اللغة ـ والْكَيْف مجهولٌ، والسؤال عنه بِدْعَة . وكذلك قالت أم سَلَمَة رضي الله عنها، ويقول أبو الحَسَن الأشْعَري وغيره: هو مستوٍ على عرشه بغير حَدٍّ ولا كَيْفٍ .

والخلاصة أن السَّلف يتركون النُّصوص على ظاهرها ولا يُؤَوِّلونها، والخَلَف يُؤَوِّلونها بما يُثْبِتُ أن الله سبحانه ليس كمثله شيء، والكل متفق علي تَنْزِيه الله ـ سبحانه ـ عن المُشابهة للحَوَادِث ” انظر تفسير القرطبي ج 7 ص 219، وكتابه المذكور ” .