في تفسير ابن كثير حديث رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم، أن جابرًا ـ رضي الله عنه ـ قال: لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ثم قال:” لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سدّ الأفق ” وروى مثله ابن مردويه عن أنس، وروى ابن مردويه عن الطبراني عن ابن عمر أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ قال ” نزلت على سورة الأنعام جملة واحدة، وتبعها سبعون ألفًا من الملائكة، لهم زَجَل بالتسبيح والتحميد” . وجاءت روايات عن ابن عباس أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة.

وفي تفسير القرطبي مثل ذلك وأنّها ليست كلها مكيّة، فقد نزلت آيتان أو ست آيات بالمدينة، وأن البخاري روى عن ابن عباس قوله: إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام:( قَدْ خَسِرَ الذينَ قَتَلُوا أَوْلادَهَم سَفَهًا بِغَيرِ عِلْمٍ ) إلى قوله:( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ورجَّح القرطبي أنها نزلت مرة واحدة؛ لأنها كانت في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين والمكذبين بالبعث والنشور.

ولم يذكر في فضل قراءتها أو قراءة شيء منها إلا حديثًا ذكره الثعلبي عن جابر مرفوعا ” من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكَّل الله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة، وينزل ملك من السماء السابعة معه مِرْزَبَّة من حديد، فإذا أراد الشيطان أن يوسوسَ له أو يوحيَ في قلبه شيئًا ضربه فيكون بينه وبينه سبعون حجابًا ” فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى:” امش في ظِلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظِلِّي، وكُلْ من ثمار جنتي، واشرب من ماء الكوثر، واغتسل من ماء السلسبيل، فأنت عبدي وأنا ربك .

ومن أجل فضل قراءتها بهذا الحديث الذي لم تعرف درجته، ومن أجل نزولها في كوكبة من الملائكة مرة واحدة ـ حرص بعض الناس على قراءتها على الموتى عدة ليال، بل حرَصوا على قراءتها في الرّكعة الأخيرة من التراويح في الليلة السابعة من شهر رمضان أو غير السابعة، وسُئل الإمام النووي عن ذلك، فقال: لم يثبت نزول الأنعام دفعة واحدة، ولو ثبت فلا دلالة فيه لهذا الفعل ـ قراءتها في التراويح ـ لأن فيها تطويلاً على المأمومين، وفيها إيهام بأنّها سُنّة، وينبغي الإنكار على ذلك، لصحة الأحاديث في النهي عن محدثات الأمور وفي أن كل بدعة ضلالة، ولم ينقل هذا الفعل عن أحد السلف وحاشاهم، والله أعلم ” المسائل المنثورة للنووي ـ المسألة رقم 50 ” .

بعد هذه النقول عن سورة الأنعام نرى الأحاديث في فضلها وفي كونها نزلت مرة واحدة لم ترد بطريق صحيح، ومع ذلك لا ننكر فضل قراءة القرآن من أية سورة وبأي قدر، فإن الأحاديث في ذلك كثيرة، أما التزامها بالذات على القبر ولأيام معدودة، فليس عليه دليل معتبر، إلى جانب خلاف الفقهاء في انتفاع الميت بهذه القراءة أو عدم انتفاعه، وقد بينا ذلك في موضعه.